خبراء يطرحون سبل مواجهة عمالقة الإشهار والتغلب على تراكم أزمات القطاع

في ظل التحولات الاقتصادية والتقنية التي يعرفها العالم، بات قطاع الإشهار يشكل ركيزة أساسية لتنمية الاقتصاد وبناء الصورة الوطنية على المستويين الداخلي والخارجي، حيث يشهد هذا القطاع في المغرب، بحسب خبراء شاركوا في المناظرة الأولى حول الإشهار، تحديات كبيرة نتيجة ضعف الاستثمارات وتأثيرات الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى تداعيات جائحة كوفيد-19 التي أظهرت هشاشة بعض مكوناته.
وقال عصام فتحية، رئيس لجنة العلاقات المؤسسية في اتحاد وكالات الاستشارات الإعلامية (UACC)، إن المناظرة الوطنية الأولى للإشهار، التي احتضنتها مدينة الدار البيضاء، الثلاثاء، تشكل فرصة ذهبية لـ”دق ناقوس الخطر” حول وضعية قطاع الإشهار بالمغرب، موضحا أن الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن هذا القطاع لا يسهم سوى بنسبة ضئيلة تصل إلى أقل من 1 في المائة في الناتج الداخلي الخام، وهو رقم يعكس هشاشة القطاع مقارنة بأهمية دوره في الاقتصاد الوطني.
وأضاف أن جائحة كوفيد-19 كان لها تأثير سلبي على الإشهار، حيث ألحقت أضرارا واضحة بنشاطه وأدت إلى تراجع كبير في العائدات. وفي سياق مداخلته خلال الجلسة الثانية للمناظرة، والتي ركزت على الجبايات والتوازنات الاقتصادية لسوق الإشهار، أشار فتحية إلى أن القطاع يعاني من ضعف في الاستثمارات ويشهد أزمة هيكلية عميقة، نتجت عن تراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية خلال السنوات الأخيرة.
وأردف أن هذا الضعف الاستثماري أدى إلى انخفاض قدرة الشركات الوطنية على المنافسة، خصوصا أمام بعض الشركات العالمية التي تهيمن على السوق بأساليب احتكارية، مما يضعف التنمية المستدامة للقطاع محليا، مشددا على أن الإشهار ليس مجرد وسيلة للترويج للمنتجات والخدمات، بل هو عنصر أساسي في بناء صورة المملكة المغربية داخليا وخارجيا.
وأكد فتحية أن الاستثمار الحقيقي في هذا القطاع ينبغي أن يركز على دعم الشركات الوطنية وتقوية بنيتها التحتية، ووقف المنافسة غير العادلة التي تمارسها بعض الجهات الأجنبية، بما يضمن تحقيق منافع اقتصادية واجتماعية أوسع، مشيرا إلى أن الهدف الأساسي من المناظرة يتمثل في تقديم قراءة دقيقة للواقع الحالي للقطاع، مع اقتراح حلول عملية وتوصيات استراتيجية لتعزيز نموه وتطويره.
وسجل المتحدث ذاته، أن تبني هذه التوصيات سيساهم في خلق بيئة مستدامة للإشهار، قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية والهيكلية، وتعزيز مساهمة القطاع في الاقتصاد الوطني بصورة ملموسة.
من جهته، أعرب منير جزولي، نائب رئيس إفريقيا في الاتحاد العالمي للمعلنين، عن رؤية متفائلة لكنها واقعية تجاه قطاع الإشهار في المنطقة، مشيرا إلى أن المشهد الحالي ليس سوداويا، إلا أن هناك مجموعة من التحديات الجوهرية التي يجب معالجتها ودراستها بعناية.
وأضاف جزولي أن الإشهار يعد صناعة قائمة بذاتها، تستحق تطويرها على المدى القريب، رغم أن المؤشرات المالية الحالية ما تزال ضعيفة جدا، مشيرا إلى محدودية الموارد المالية المخصصة لهذا القطاع، موضحا أن الغلاف المالي المتاح لا يتجاوز 6 مليارات، وهو مبلغ لا يكفي لإطلاق صناعة إشهارية تنافس العمالقة العالميين في المجال.
وأكد أن نجاح هذه الصناعة يتطلب توفير سيولة مالية كافية، تتيح للشركات والوكالات الإعلانية تطوير محتوى متميز والتوسع في الأسواق المحلية والدولية.
وصرح نائب رئيس إفريقيا أن المغرب يمثل حالة فريدة في الوطن العربي، نظرا لتوفره على مؤسسات إعلامية قوية ومقالات متخصصة تسهم في إثراء المحتوى الإعلامي والإعلاني، غير أن الجانب الرقمي لا يزال يشكل تحديا كبيرا، حيث يصعب تتبعه وقياس تأثيره بشكل دقيق.
كما أشار إلى أن الجائحة الأخيرة خلقت هشاشة داخل هذا القطاع، وهو ما يجعل من الضروري فرض رسوم ضريبية منتظمة تساعد على استدامة الموارد وتحافظ على توازن السوق، مؤكدا على أهمية وضع محفزات جاذبة للاستثمار في هذا المجال الحيوي، مشيرا إلى أن جذب عدد أكبر من المستثمرين يمثل خطوة أساسية لتطوير القطاع.
وأوضح أن العديد من الإذاعات والقنوات التلفزيونية بدأت من موارد محدودة جدا، إلا أنها استطاعت مع الوقت رسم صورة قوية على المستوى الوطني، ما يثبت قدرة السوق على النمو والتطور إذا ما تم توفير الدعم المناسب.
وختم منير جزولي حديثه بالتأكيد على أن مواجهة العمالقة في صناعة الإشهار تتطلب تضافر جهود جميع الفاعلين، وابتكار حلول واقعية وفعالة، لأن إعادة إحياء هذا القطاع وإبرازه كواجهة اقتصادية رئيسية على الصعيد الوطني يتطلب استراتيجيات واضحة تستند إلى التمويل المستدام، والتحفيز على الاستثمار، وتعزيز الرقمنة وتطوير المحتوى المحلي، بما يجعل المغرب لاعبا قويا في صناعة الإشهار على الصعيد الإقليمي والدولي.
اترك تعليقاً