وجهة نظر

نقابات وأحزاب تستحق الرجم

سيذكر التاريخ أن الحكومة الحالية كان لها نصيب الأسد من الاحتجاجات بسبب ما ظل يوصف بالقرارت اللاشعبية لحكومة عبد الإله بن كيران.هذه الاحتجاجات، التي قادتها مركزيات نقابية و هيئات حزبية و شارك فيها الانسان جنبا إلى جنب مع الحيوان ظاهرها كان يوحي بأنها دفاعا عن الفئات المحكورة و المسحوقة لكن باطنها كان تشويشا ممنهجا على حكومة رأى فيها كثيرون تهديدا حقيقيا لمصالحهم و امتيازاتهم.و سيذكر التاريخ أيضا أن هذه المعارضة الهاربة من أدوارها، سواء في شقها النقابي أو الحزبي، ظلت تتعامل مع القضايا المطروحة بسياسة النعامة،سياسة دفن الرأس في التراب و غض البصر في كثير من الأحيان عن عدة ثقوب سوداء تبتلع المالية العمومية، و منها ملف التقاعد.

بداية هذا الأسبوع استطاعت الحكومة بعد مسلسل طويل من العرقلة تمرير مشاريع قوانين إصلاح التقاعد في مجلس المستشارين. المجلس الذي تتوفر فيه المعارضة على الأغلبية، حيث غاب عن جلسة التصويت 53 مستشارا، منهم 37 مستشارا ينتمون للمعارضة، في حين امتنع 4 مستشارين عن التصويت و انسحب 4 آخرين.بعد هذه الفضيحة توالت البيانات و البلاغات التوضيحية، وسعى كل طرف لتبرير موقفه دون أن نسمع عن محاسبة هؤلاء المتغيبين، وكأن ملف التقاعد لم يثر كل هذه الضجة بين المعارضة و الحكومة وتسبب في عرقلة الحوار الاجتماعي وخاضت به المعارضة-أحزابا و نقابات- حملتها الانتخابية سواء في انتخابات العمال و المأجورين أو الانتخابات الجماعية؟؟

في كل بلاد العالم المعارضة عين على أداء الحكومة وحارس على المال العام وقوة اقتراحية تملك تصورا بديلا، لكن في المغرب المعارضة مجرد أداة للتشويش و الارباك و العرقلة. المعارضة عندنا تضع المصلحة العامة وراء ظهرها. وإليكم بعض الأرقام التي تؤكد ما سبق.في العام 2013 عاد الحديث عن إصلاح أنظمة التقاعد بقوة-طرح النقاش أول مرة حول الموضوع سنة 2004-، و كان حينها-2013- رصيد الصندوق هو 81 مليار درهم.سنة بعد ذلك أصبحت مداخيل نظام المعاشات المدنية لا تغطي نفقاته، وبالتالي كان من الطبيعي اللجوء لاحتياطاته، الشيء الذي ترتب عنه مراكمة عجز بلغ 750 مليون درهم.هذا الرقم المهول، الذي يبدوا أنه لم يكن يثير أي شيء في نفوس المعارضين، سيقفز إلى 2,8 مليار درهم في 2015، ثم إلى 6,76 مليار درهم سنة 2016، ليصل عند متم السنة المقبلة 14,4 مليار درهم و 135 مليار درهم سنة 2023. بلغة الخشيبات، كل يوم يتأخر فيه الاصلاح يكلفنا 60 مليون درهم، أي 20 مليار درهم سنويا.

ما الذي تغير حتى انقلبت المعارضة على مواقفها وسمحت بتمرير الاصلاح بتلك الطريقة المدلة؟ و هل بالفعل تقدر هذه المعارضة الأدوار الملقاة على عاتقها، فلو مر الاصلاح في وقت سابق لكانت تكلفته أقل، أو على الأقل كانت الشغيلة ستنتزع مكاسب أخرى تخفف من مرورته ؟ وهل غياب السادة المستشارين المحترمين كان مجرد مصادفة أم أن هناك من أجبرهم على الغياب؟ لدي اقتناع بأن غياب هؤلاء عن جلسة مصيرية لم يكن مجرد صدفة ذكية. و إذا صح هذا الأمر فسنكون أمام أزمة حقيقية. أمام معارضة نمولها من جيوبنا لكنها لا تمثلنا، أمام معارضة لا تدافع عن التصورات المقتنعة بها، بل معارضة تتلقى التعليمات و تتحرك عن بعد، و مثل هذا النوع من المعارضة يشكل خطرا مضاعفا على أي انتقال ديمقراطي. خطر وضع المصلحة العامة جانبا و القيام بمعارضة سياسوية هدفها فقط الارباك و العرقلة، و خطر ارتهانها لجهات أخرى توجهها حسب هواها، مما يفقد الفعل السياسي مضمونه. معارضة من هذا النوع تستحق أن ترجم في الاستحقاقات المقبلة.