مجتمع

منا أمير ومنكم أمير: حادث السقيفة – الحلقة 11

عودة إلى أصول الخلاف الذي أحدث التحول التاريخي في حياة الإسلام

بالنسبة للرواة والمؤرخين، عدت واقعة “سقيفة بني ساعدة”، نقطة تحول تاريخي في حياة الإسلام التي لازالت ترخي بظلالها على العالم الإسلامي إلى الآن. طرحت الواقعة إشكالية الخلافة، وسؤال من له أحقية خلافة المسلمين، وقضية الشورى، كإحدى أهم نقاط الخلاف التاريخي الديني الذي أوقع تصدعا بين المسلمين، ليفرقهم بين سنة وشيعة.

هي عودة تاريخية، نحن بحاجة إليها اليوم، لفهم ما جرى خلال وقائع حادثة السقيفة، سقيفة بني ساعدة، رغم اختلاف الروايات بشأنها، أين جرت أول مفاوضات علنية بين المسلمين لاختيار من يقوم على سياستهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، نوردها بقراءات الأطراف المتصارعة.

11- مراجعات أبي بكر الصديق (رواية من خارج السلطة)

ماذا لو كان الرسول الكريم لا زال بعد على قيد الحياة؟ وتم حرق داره؟ وهو الرسول الذي قال في أكثر من مناسبة، إن من أغضب فاطمة، فقد أغضب النبي نفسه وأغضب الله تعالى، وهو الذي كان يردد أيضا: “رضا فاطمة من رضاي”، وغيرها كثير من الأحاديث المسندة التي أوردتها كتب السنة والشيعة على السواء.

وردت حادثة الهجوم على بيت فاطمة وحرقه، في بعض كتب الجمهور، منها ما تقدم ذكرها في الحلقة السابقة، كما أن ثمة نصوصا أخرى أوردتها، وتتعلق بما يمكن أن نورده في إطار الكتب خارج السلطة.

روى الدينوري: “ثم قام عمر، فمشى معه جماعة، حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة”، ( ورد في “الإمامة والسياسة”، ج1 ص 20).

يندم الخليفة الأول على حادث الهجوم على بيت فاطمة، فيتمنى الاستقالة من منصبه من جراء ذلك، إلا أنه كان لعمر بن الخطاب رأيا آخر، مشيرا إلى الخليفة بالبقاء على الخلافة.

يروى أن أبا بكر مصحوبا بعمر، حلا ببيت فاطمة لزيارتها بعد حادثة الهجوم، فبادرت فاطمة بسؤالهما: “أرأيتكما إن حدثتكما حديثا عن رسول الله تعرفانه وتفعلان به؟”، قالا: “نعم”، فقالت: “نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: “رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟”، قالا: “نعم، سمعناه من رسول الله”، قالت: “فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه”، فقال أبو بكر: “أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة”، ثم انتحب أبو بكر يبكي، حتى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: “والله لأدعون الله عليك في كل صلاة أصليها”، ثم خرج باكيا فاجتمع إليه الناس، فقال لهم: “يبيت كل رجل منكم معانقا حليلته، مسرورا بأهله، وتركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي”. (“الإمامة والسياسة” للدينوري ج1 ص 20).

ثم يكمل الدينوري: “فلم يبايع علي حتى ماتت فاطمة، ولم تمكث بعد أبيها إلا خمسا وسبعين ليلة” (“الإمامة والسياسة”، ج1 ص 21).

كانت الغاية من كل ما جرى خلال تلك الزيارة، التشديد على مبايعة علي للخليفة حتى يستقر أمر الحكم والسلطان، إلا أن فاطمة بدأت أنها كانت هي العائق الكبير أمام ذلك، وتقدم قول الخليفة لأصحابه: “لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنب”.