وجهة نظر

من التضامن إلى واجب الترافع الدائم والمنتظم عن الصحراويات المحتجزات بتندوف

رئيسة منظمة النساء الحركيات، خديجة الكور

أكد جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه الأخير بمناسبة الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء على أن قضية الصحراء المغربية ليست فقط قضية وحدة ترابية، بل هي أيضًا قضية كرامة، وعدالة، وحقوق الإنسان.

كما شدد جلالته على ضرورة تعبئة الجبهة الداخلية، والانخراط في مقاربة جديدة لا تكتفي بتدبير النزاع، بل تسعى إلى تحقيق التغيير الفعلي، وتمكين المواطنات والمواطنين في مختلف الأقاليم الجنوبية من حقوقهم كاملة.

هذا البعد الحقوقي في الخطاب الملكي يمثل منطلقًا حقيقيًا لإعادة النظر في الجانب الآخر الإنساني المُغيب في النقاش الدولي، خاصة ما يتعلق بمعاناة النساء الصحراويات المحتجزات في مخيمات تندوف، حيث تنتفي أبسط شروط الكرامة الإنسانية.

تعيش منذ أكثر من أربعة عقود، آلاف النساء الصحراويات في أوضاع مأساوية داخل مخيمات تفتقر إلى شروط الحياة، وتخضع لسلطة الميليشيات و لا تخضع لأي مساءلة قانونية. ووفقًا لتقارير أممية وغير حكومية، فإن هؤلاء النساء يتعرضن لانتهاكات جسيمة تمس حقوقهن الأساسية، بدءًا من الزواج القسري، والتجنيد الإجباري لأطفالهن، والفصل العائلي القسري، ومرورًا بالاستغلال الجنسي والعبودية، وانتهاءً بحرمانهن من حرية التنقل والتعبير.

وحسب بعض الشهادات التي قدّمت أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف يتم نقل النساء المحتچزات
قسرًا إلى دول في أمريكا اللاتينية أو شمال أوروبا، ويفُرض عليهن الزواج أو النشاط الدعائي لصالح الجبهة الانفصالية، دون أي حماية قانونية أو تمثيل دبلوماسي.

ويظهر جليا من خلال المقارنة الواقعي الفرق الشاسع بين ما تنعم به النساء الصحراويات في مدن العيون والداخلة والسمارة من تمكين سياسي واقتصادي وتعليمي وصحي، وبين الواقع المزري في المخيمات. ففي حين تشارك نساء الصحراء المغربية في رئاسة و تدبير المجالس الجهوية و الجماعات المحلية والتمثيل في البرلمان

وتدير بعضهن مقاولات ومشاريع تنموية، تعيش المحتجزات في تندوف في عزلة تامة، بلا تعليم، بلا آفاق، وتحت هيمنة نظام بيروقراطي عسكري يتحكم في حركتهن ومصيرهن.

ورغم هذه الانتهاكات الصارخة، لم تبادر الأمم المتحدة إلى فتح تحقيق مستقل أو فرض آلية لمراقبة حقوق الإنسان داخل المخيمات، بفعل العراقيل التي تضعها لجزائر والجبهة الانفصالية.
صحيح أن بعض المنظمات الدولية – مثل “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية” أشارت إلى هذه الانتهاكات، إلا أن الاستجابة الدولية ما تزال محدودة وخجولة، في ظل طغيان المقاربة السياسية على البعد الإنساني.

في المقابل، شهدت الساحة الوطنية خلال السنوات الأخيرة مبادرات مدنية وحقوقية نسائية متزايدة، عبّرت من خلالها منظمات نسائية مغربية، خاصة من داخل الأقاليم الجنوبية، عن تضامنها مع ضحايا تندوف، وطالبت بجعل قضيتهم جزءًا من الملف الوطني العام. كما نظمت جمعيات محلية ومجالس إقليمية بالصحراء ورشات توعوية وندوات دولية حول “النساء في زمن النزاع”، مستضيفة شهادات مؤثرة لناجيات من المخيمات، منهن من استطعن الهروب والعودة إلى الوطن بعد سنوات من الاحتجاز القسري.

لكن هذه التحركات، رغم رمزيتها، تبقى غير كافية ما لم تتبلور ضمن مبادرة وطنية مدنية وسياسية شاملة، تنسق بين مكونات المجتمع المدني والنخبة السياسية والمؤسسات المنتخبة، وتعمل على صياغة رؤية ترافعية ذات طابع استراتيجي. ولتكون هذه المبادرة فعالة، يمكن أن تتخذ الشكل التالي:

1. تشكيل لجنة وطنية دائمة للترافع عن النساء المحتجزات بتندوف، تضم فاعلات جمعويات، حقوقيات، برلمانيات، وخبيرات في القانون الدولي.

2. إعداد ملف موثق بالشهادات والصور والبيانات المتعلقة بالانتهاكات ضد النساء، يقدم إلى الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمنظمات الدولية المختصة.

3. تنظيم منتدى سنوي وطني تحت شعار: “من أجل كرامة نسائنا في تندوف”، يضم مسؤولين وناجيات وفاعلين دوليين.

4. إطلاق حملة إعلامية متعددة اللغات على الصعيد الوطني والدولي، لتسليط الضوء على هذه المأساة الإنسانية.

5. توسيع الضغط الدبلوماسي المغربي من خلال البعثات الرسمية والدبلوماسية الموازية، لإثارة الملف في المجالس الدولية.

إن هذه المبادرة لن تكون فقط تحركًا إنسانيًا، بل ستكون أيضًا رافعة قوية للمقترح المغربي للحكم الذاتي، لأنها ستكشف الوجه الحقيقي للمعاناة التي تسببها البوليساريو في منطقة خارجة عن سيادة القانون.

إن معاناة النساء الصحراويات في مخيمات تندوف ليست قضية نساء فقط، بل قضية وطنية بامتياز، لأنها تختبر مصداقية مشروعنا الديمقراطي، وصدق التزامنا بحقوق الإنسان في شموليتها. لقد آن الأوان لأن ننتقل من التضامن الصامت إلى الترافع النشيط، ومن الخطاب الموسمي إلى البناء المؤسساتي، وفاءً لأرواح الضحايا، وإحقاقًا للحق، ووفاءً لروح المسيرة الخضراء التي كانت ولا تزال مسيرة كرامة قبل أن تكون مسيرة تحرير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *