وجهة نظر

المغرب يواجه خيارات حسم نزاع الصحراء بين انتظار مجلس الأمن او التدخل الفوري

محامي وخبير قانوني

مع اقتراب موعد الدراسة الدورية لملف قضية الصحراء المغربية في مجلس الأمن ، وبسبب المتغيرات الدولية المتسارعة، وتعاظم الديناميكية الديبلوماسية الدولية المؤيدة لمشروع المغرب بالحكم الذاتي، وانضمام دول كبرى ومن الدول أصدقاء الصحراء و تملك حق النقض من داخل مجلس الأمن، و قطعت على نفسها التزام الحل في النزاع في اطار مبادرة المغرب .

فان الجميع يترقب باهتمام كبير، ويتطلع بتساؤلات و تكهنات باحتمال أكيد أن الملف أشرف على نهايته، وأن المغرب حسم النزاع لفائدته. وأن المينورسو استنفذت مهامها الرئيسية والأساسية، و لم يعد لها دور وقيام على الحالة، واستمرارها رهين بإصدار قرار ينسخ تسميتها ويعدل في اختصاصاتها. او خلق اطار جديد تكون من مهامه المواكبة في تنفيذ الحل المغربي بالحكم الذاتي.

كل تلك العوامل والعناصر والإشارات والقرائن العديدة والدالة والمتناسقة، شجعتنا على محاولة الخوض في رسم ملامح المستقبل، من خلال بناء بعض التصورات الممكنة والخيارات المتاحة كجسر انتقالي من أجل الحسم.

مع ضرورة الإقرار أن الأمر ليس عملية أتوماتيكية محضة او علمية حتمية، بل هي مجرد سيناريوهات تتداخل وتتحكم في تحققها الزمني و في الطريقة والوسيلة والكيفية اعتبارات التعقيد كونها سياسية اجتماعية وانسانية قد تؤجل تنفيذ وتطبيق الخيارات دون تجاهلها ولا استبعادها.

والأكيد والبديهي أن موعد أكتوبر المقبل؛ موعد الدراسة الدورية لملف نزاع الصحراء داخل مجلس الأمن لن يكون حاسما، ولن يختلف عن المواعيد السابقة المرتبطة بالموضوع بقدر حجم الانتظارات الكبيرة المعلقة عليه. مالم يكن للإرادة المغربية قرار مغاير في طريقة المعالجة و الحسم بالتغيير.

فقد ينهج المغرب مقاربة أخرى وطريقة مغايرة ، ويعتمد انهاء الأمر بيديه وبطريقته الخاصة، بضم المنطقة العازلة وانهاء التدويل وانهاء عمل المينورسو، خارج بطء مساطر واجراءات وتحقيقات مجلس الأمن، سيما وأنه مدعوم من طرف أمريكا فرنسا اسبانيا وغيرها من دول الحشد الدولي المؤيد للمشروع المغربي. رغم يقيني انه سينتظر لاستصدار قرار يكون له سندا تنفيذيا معضدا لحقوقه و صكا دوليا لحله ووثيقة رسمية دولية بمسؤولية الجزائر.

وهذا الخيار ، ومن نظري كمحلل وخبير قائم و محتمل. بيد أن المغرب لن يعجل بالقدام عليه لأن مركزه مرجح وقوي ومؤثر وفائز. ولا شك أن المغرب سينتظر مآل مناقشات ومداولات مجلس الأمن؟ وقرار الأخير؟ ومبررات تصويت الدول الأعضاء؟ ، والتمعن والإمعان في تقييم ردود فعل بقية المجموعة الدولية؟.

و كذا التركيز في دراسة وتحليل تفاعل الجزائر كطرف أساسي؟في استجابتها! ورضوخها؟ او تحديها! وتعنتها! ومقاومتها؟ و تقدير قدراتها في القوة و احتمالات رجوعها في المدة الزمنية؟ والعودة في الملف!؟ و التيقن من أن الأمور قد تجاوزتها ولم يعد باستطاعتها وقف اطراد و تنامي الحشد والتأييد الدولي للمغرب ومبادرته. وأن الجزائر أذعنت وخارت قواها وفقدت دعم حلفائها وأصدقائها واستسلمت دبلوماسيتها لصيرورة مسلسل نجاح المغرب.

و قد يحتاج المغرب إلى تقدير تأثير عامل امتناعه في تفعيل تدخله الفوري لحسم الأمر لصالحه بيديه، ومدى تضرر مركزه المتفوق بعامل الزمن في بقاء صمود الأوضاع على ماهي عليه في المدى القريب. فالمغرب قد يحتاج مهلة وميسرة لاتضاح القناعة والقرار النهائي لمجلس الأمن .

فمداولات وقرار مجلس الأمن تعتبر محطة مهمة لمعاينة جدية التزام امريكا وفرنسا وبريطانيا بالعمل لصالح المبادرة المغربية وانهاء النزاع في إطارها. وهي بذلك فرصة لاختمار الخيار المغربي، و على ضوئه وإثره سيتخذ المغرب القرار الحاسم بالاستمرار الأممي او صناعة الحل بارادته.

ورغم أنني أشرت في الفقرة الرابعة من هذا المقال أن موعد أكتوبر المقبل لن يكون حاسما، فانني و بالمقابل أراه إستثنائي. وان القرار الذي سيتخذه مجلس الأمن سيكون نوعي، بالنظر إلى جوهر و طبيعة الأمور التي سيغيرها ويعدلها او ينسخها او يلغيها أو يؤسس لذلك في المستقبل القريب. فالقرار سيكون لبنة مرحلية لخيارات أممية جديدة في المستقبل. و سيكون بمثابة مهلة وتنبيه وإنذار وأجل في نفس الوقت، للأطراف للدخول في مفاوضات حقيقية لمناقشة الحكم الذاتي والوصول إلى اتفاق نهائي لإرسائه.

و أجد نفسي مرغما للخوض في شكل وماهية الاتفاق الذي سيدعو اليه مجلس الأمن. وإمكانية التمييز بين أركانه وأجزائه الرئيسية والفرعية ؛ بين أمور غير قابلة للمناقشة والتفاوض بشأنها، مثل شكل وطبيعة الحل النهائي للنزاع في الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب ، على غرار الحسم في شرعية سيادة المغرب على كل الصحراء التي لم تبق محل شك ولا تساؤل.

وبين الأجزاء الأخرى القابلة للاتفاق الأطراف عن طريق التوافق والمرتبطة أساسا بتوزيع السلطة بين الساكنة والوافدين من المخيمات والعلاقة مع السلطة المركزية و توزيع الثروات وغيرها. ويمكن أن يمتد الاتفاق إلى حقوق الجوار في الجزائر وموريتانيا في اطار ما يسمى بحفظ ماء الوجه و لا غالب ولا مغلوب.

وما بين حلول الأجل الجديد ووقوف المغرب و أعضاء مجلس الأمن والمجموعة الدولية عند مشاكسة ومماطلة الطرف الجزائري . فان أمورا كثيرة قد تكون حصلت او سببا مباشرا لوقوعها . فالأكيد أن نزاع الصحراء المغربية وصل إلى النهاية ولن يرهن مسيرة المغرب مثلما لن يقبل المغرب أن يستمر إلى ما لانهاية.

ليبقى السؤال هل سيبقى المغرب رهين مسلسل أممي يسير بسرعتين ؛ الأمانة العامة البطيئة التي تلعب على توازنات ارضاء الجميع وتحاول نسف وتسفيه المبادرة المغربية. الأمانة العامة التي تجاوزها مجلس الأمن في حصره لأركان ونعوت الحل . والمغرب الذي تجاوز مجلس الأمن. حيث انتقل المغرب من مجرد تدبير النزاع إلى بدء خطوات عملية بالتغيير .

وقد حان وآن موعد التغيير. فكيف سيتم حسم التغيير؟ تلكم هي بعض التأملات التي خاض فيها التقرير والمقال.

*محامي بمكناس
خبير في القانون الدولي ، قضايا الهجرة ونزاع الصحراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *