لنقوي الأندورفين لدينا

من بين القصص الرائعة التي أحببت مشاركتكم إياها بغض النظر عن قلة مستنداتها لكنني أرى فيها عبر ومعاني وقيم قوية وفاضلة ربانية بين الله وعبده وهي ” أنه في يوم من الأيام جاء صبي يسأل كليم الله سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام أن يطلب الله لإغنائه، فسأله موسى: هل تريد أن يغنيك الله، في أول ثلاثين عامًا من عمرك أم في الـثلاثين عام الأخيرة؟ فاحتار الصبي، ثم استقر اختياره على أن يكون الغنى في أول ثلاثين عام من عمره، لكي يسعد بالمال في شبابه، كما أنه لا يضمن أن يعيش إلى غاية الستين من العمر، ولكنه نسي ما تحمله الشيخوخة من ضعف وهزال ومرض، ودعا موسى ربَّه فاستجاب له، واغتنى الصبي، وأصبح رجلا فاحش الثراء، وكان يفتح أبواب الرزق لغيره من الناس، حيث كان يساعد الناس ليس فقط بالمال، بل كان يساعدهم معنويا وتقنيا في إنشاء تجارتهم، وصناعاتهم، وزراعاتهم، ويزوِّج غير القادرين، ويعطي الأيتام والمحتاجين والمرضى وكبار السن، وتمر الـثلاثون عامًا الأولى، وتبدأ الثلاثون عامًا الأخيرة، وينتظر موسى الأحداث، ولم تتغير أحوال الرجل، بل ازداد غنى على غناه، فاتجه موسى إلى الله عز وجل يسأله بأن الأعوام الثلاثين الأولى قد انقضت؟ فأجابه الله تعالى: وجدتُ عبدي يفتح أبواب رزقي لعبادي، فاستحيت أن أقفل باب رزقي إليه. فهل هو أكرم مني”.
فهكذا الخير وهكذا العطاء وتلك هي الصدقة وآثارها الدنيوية قبل الآخرة، إن الأفعال الإيجابية لا تنتج سوى الإيجابية وأحسن منها، وصنائع المعروف تقي مصارع السوء، فإنك أيها الإنسان، حين تتعامل مع أكرم الأكرمين عبر تلك الأفعال، فثق بأنك الرابح الأول، تربح دنياك قبل آخرتك.. أو ليست هذه غاية كل شخص منا؟
كما أن عمل الخير وقضاء حوائج الناس ومساعدة المحتاجين وفك كربهم والتيسير على المتعففين دون رياء وتكبر هو من أفضل الأعمال التي يمكن أن يقوم بها الشخص اتجاه محيطه ومجتمعه. لأنه سيساهم في زيادة الترابط بين الأفراد والشعوب والمجتمعات ويساهم في سد الفجوة الطبقية بينهم، ويقرب المسافات بين القلوب والأنفس، وهو واحد من أفضل القيم الإنسانية التي ترفع من شأن المجتمعات.
فالخير ليس مجرد عمل عابر بل أسلوب حياة يرتقي به الإنسان والمجتمعات، فما من مجتمع يتحلى بتلك الصفة إلا وكان شعبه من أفضل الشعوب، فعمل الخير وقضاء حوائج الناس هو سر من أسرار السعادة وسمة عُليا ينبغي أن يتحلى بها كل إنسان محب للخير، ومساعد للغير.
وقد أثبتت الدراساتٍ العلمية أثره على المنظومة العصبية التي تتحرك بموجبها آلياتُ الدماغ. فحين نتيحُ لأنفسِنا تقديم مساعدة للآخرين فإننا نفتحُ – في الحقيقة – سبلاً عصبية تنعش مشاعر الرضا في نفوسنا، فيتدفق هرمون “الأندورفين” ليرفع من أداء الناقلات العصبية التي يحتاجها التفكير الذكي.
والشيء والصدفة الجميلة وأنا اكتب هذا المقال اطلعت على المكرمة الملكية الكريمة والتي دائما ما اعتدناها من قائدنا وملهمنا وقدوتنا في العطاء والكرم صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده لشعبه، والمتمثلة في اعطاء تعليماته الكريمة بوضع المراكز التي أنشأتها مؤسسة محمد الخامس للتضامن في مجالات الصحة والإعاقة والتكوين رهن إشارة الساكنة المعوزة المستفيدة.
خلاصة القول، عمل الخير سعادةٌ لا يضاهيها شيء، لأن نفعه يعود على فاعله ويتجاوز ذلك إلى متلقّيه. وأختم مقالي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمل الخير ومساعدة الآخرين (على كل مسلم صدقة، فقالوا يا نبي الله فمن لم يجد؟ فقال فليمسك عن الشر، فإنها له صدقة) اللهم اكفنا من شر الحاسدين والحاقدين وارزقنا الخير والسعادة والهناء والسلام واحفظ قائدنا وبلدنا وكامل الأوطان والشعوب.
اترك تعليقاً