وجهة نظر

رئيس جهة أم رئيس عصابة؟

قبل سنة تحولت علاقة في إطار الزواج بين وزير ووزيرة من حزب العدالة والتنمية إلى “فضيحة” على الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي. من بين التبريرات السخيفة التي ظلت تروج آنذاك أن “الكوبل” الحكومي “لم يراعي مشاعر المغاربة في تلك الظرفية الاقتصادية والسياسية”؟؟ مثل هذه التفسيرات السخيفة عندما تجد ما يكفي من الضخ الإعلامي والسطحية في التحليل تخفي الأسباب الحقيقة التي كانت وراء تلك الحملة الممنهجة ضد شوباني.فالرجل باشر آنذاك إصلاح واحد من القطاعات الوزارية التي ظل الريع يعشش فيها لعقود. أولم يكن التخوف من “فطام” بعض الجمعيات عن المال العام وراء تصفية هذا الرجل وإبعاده عن قطاع يبيض ذهبا؟

غادر شوباني وبنخلدون الحكومة تحت هذا القصف وأكملا حياتهما كأي زوجين قبل أن يعود وزير العلاقات مع البرلمان السابق إلى الواجهة رئيسا لجهة درعة- تافيلالات، منصب لا يقل أهمية عن منصبه كوزير، إن لم يكن أكثر أهمية منه.لم ينتظر شوباني حتى يبني مقرا لجهته ليبدأ العمل، بل بادر في خطوة غير مسبوقة إلى تأسيس منتدى الباحثين والخبراء بجمع أكثر من 1000 خبير وإطار من أبناء المنطقة المتواجدين في مختلف مراكز القرار، في الوقت الذي نظم فيه رئيس جهة آخر ندوة دولية لتقنين زراعة “الكيف”.شوباني يدرك أن المورد البشري هو المورد الحقيقي للنهوض بهذه الجهة المحدثة في إطار التقطيع الجهوي الجديد، والتي ظلت كما هي لقرون..أو ليست “استوديوهات مفتوحة” وقبلة لمنتجي الأفلام التاريخية دونما الحاجة للمؤثرات؟؟

هذا السرد الكرونولوجي للأحداث مهم قبل التطرق إلى “فضيحة” أخرى وجد شوباني نفسه في قلبها عندما قرر اقتناء أسطول سيارات للخدمة بأثمنة أثارت الكثير من الجدل، بل و تفكيره في اقتناء طائرة لـ”تمكين أطر ومسؤولي الجهة من التنقل بالسرعة والفعالية اللازمتين حتى يكونوا دائما مواكبين للأوراش التي أعطيت انطلاقتها”.جزء كبير من هذا التضخيم والتهويل لهذا الموضوع ليس الغرض منه الحرص على المال العام، بل فقط إحراج حزب العدالة والتنمية على بعد أسابيع من الانتخابات.الحملة التي انطلت حتى على مناضلي حزب “المصباح” وبعض قيادييه، الذين ظلوا ينتظرون تكذيب الخبر، قبل أن ينخرطوا- كمن يدفع تهمة عن نفسه- هم أيضا في انتقاد شوباني.

و هذا المقال بطبيعة الحال ليس تبرئة للرجل، لكن لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال إدانة له. ببساطة لأن الذين من حقهم أن يحاسبوا شوباني على طريقته في التسيير من عدمه هم سكان الجهة التي ينتمي إليها..هم الناس الذين رشحوه لهذا المنصب..هم الناس الذين صوتوا له..هم الناس الذين تعاقد معهم.. هم الناس الذين سيذهبون بعد ست سنوات لصناديق الاقتراع لتمكينه من ولاية أخرى أوانتخاب رئيس جهة جديد، و غير هؤلاء يبقى كثيرون ممن أدلو بدولهم في هذا الموضوع مجرد “فضوليين” كما نقول بالدارجة لكون الأمر في النهاية يتعلق بحدث وقع في حدود منطقة محدودة جغرافيا، ولا يمكن أن يمتد تأثيره لباقي الجهات. شوباني رئيس جهة و يعلم الجميع بأنه آمر بالصرف وتحت يده معلومات لو أراد أن يبيعها لحصل على أكثر من مجرد سيارة. والواقع يثبت بما لا يدع مجالا للشك كيف تحول رؤساء بعض الجماعات من مجرد مياومين إلى وجهاء.حتى الآن لم يستطع أي كان الطعن في الذمة المالية لمسؤولي العدالة والتنمية وأقصى ما يمكن اللعب عليه هو مثل هذه الفرقعات.

لنختم هذا المقال إذن بتوجيه الأصبع حيث يجب.الشهر الماضي ظهر رئيس جهة طنجة-تطوان إلياس العماري إلى جانب الملك محمد السادس خلال زيارته للصين. هذا الظهور المخدوم على بعد أسابيع من الانتخابات التشريعية يمكن أن يعتبر أسوأ استغلال للمؤسسة الملكية، على اعتبار أن وجود زعيم “البام” كرئيس جهة وحيد ضمن الوفد الملكي سيعطي أكثر من رسالة، لعل أبرزها أن العماري شخصية سياسية غير عادية، يحظى بقربه من دوائر القرار وأنه شخص مرضي عنه.الغريب هو أن العماري ظهر إلى جانب الملك بعد أيام فقط على فضيحة ترويجه لجلب استثمار بقيمة 100 مليون دولار بشراكة مع مؤسسة “بيل غيتس”، قبل أن تخرج المؤسسة و تنفي أي اتفاق مع “البانضي” إلياس العماري كما يلقبه رئيس الحكومة.الأمر لم يتوقف عن هذا الحد، فمباشرة بعد عودته من الصين روج العماري لجلب استثمار ضخم لمدينة طنجة، قبل أن يتبين أنه سرق مشروع حكومي كان مقررا أن يتم إنشاءه بمدينة أسفي وحوله إلى مدينة طنجة على طريقة رجال العصابات.كل هذه الفضائح تقذف إلى الهامش في وقت يحاسب فيه مسؤولين آخرين على نواياهم قبل أفعالهم؟؟

P.S : قبل أن يعترض علي القارئ بأنني أيضا فضولي أخوض في أمر يدخل في إطار جغرافي محدد، أقول له بأن العماري يشكل خطرا حقيقيا على التنمية في بلادنا،مادام يشتغل بشهية “الحوث”، فأنا لا أريد أن أقرأ يوما أن مشروعا ما كان سيقام في الجهة التي أعيش فيها قبل أن يتدخل العماري لتحويله لجهة طنجة-تطوان.