بين التأييد والانتقاد: صدى حفل طوطو في موازين

تحوّل حفل مغني الراب المغربي طه الفحصي، الشهير بلقب “الغراندي “طوطو”، ليلة السبت 28 يونيو، إلى أحد أبرز لحظات مهرجان “موازين – إيقاعات العالم” في دورته لعام 2025. فمنصة السويسي اهتزت على إيقاع أغاني الراب أمام جمهور غفير تجاوز التوقعات، في واحدة من أكثر السهرات جماهيرية منذ انطلاق المهرجان.
نجح مغني الراب المغربي طه الفحصي، الشهير بلقب “الغراندي طوطو”، في استقطاب أكبر عدد من الجماهير ضمن فعاليات مهرجان “موازين” إيقاعات العالم، حيث سجّل حضوره رقماً قياسياً من حيث عدد المتفرجين منذ انطلاق المهرجان في 20 يونيو الجاري، والممتد حتى 28 من الشهر نفسه، فقد احتشد ما يقارب 300 ألف متفرج في ساحة السويسي بالرباط، وفق أرقام إدارة المهرجان، وهو رقم قياسي لم يبلغه أي فنان منذ أكثر من عشرين سنة، مما يعني أنه هناك تحول في الذوق الموسيقي لدى الشباب، ويستحق دراسة أكثر لهذه الظاهرة.
وسط هتافات صاخبة وأجواء مفعمة بالحماس، صعد “طوطو”إلى المنصة ليُقابل بعاصفة من التصفيق، ويُقدّم مجموعة من أشهر أعماله التي حفظها جمهوره عن ظهر قلب، على غرار “Santa Fe”، و”L’ferda”، و”Mghayer”، مرفوقة بعرض بصري وصوتي حديث أضفى طابعًا عالميا على العرض.
حطم طوطو رقما قياسيا غير مسبوق في تاريخ مهرجان موازين، فاجأ فنانين مغاربة معروفين، وفجّر جدلا واسعا حول مضمون الفن وحدود تعبيره، وتأثيره على الذوق العام والقيم الأخلاقية المجتمعية.
ولقد تم توجيه انتقادات لاذعة للحفل من قبل رواد مواقع وسائط التواصل الاجتماعي، الذين عبروا عن تحفظهم على مضامين الأغاني، التي اعتبروها “غامضة وعنيفة”.
وانقسمت آراء المغاربة بين مؤيد يرى فيه “صوتًا يعبر عن هموم هذا الجيل الجديد من الشباب”، يعبر عن الحرية في الغناء وإيصال مجموعة من الرسائل الى الجهات الرسمية وغير الرسمية، وبين منتقد يعتبر أن أسلوبه الفني أسلوب زنقاوي يفتقر إلى الإبداع، وكلمات أغانيه “مليئة بمفردات زنقاوية وكلمات نابية تفتقر إلى الوضوح وتتعارض مع القيم المجتمعية والدينية”.
الحفل الذي أحياه مغني الراب طه فحصي المعروف بـ”طوطو” ضمن فعاليات الدورة العشرين من مهرجان موازين، أغضب بعض الشخصيات السياسية والدينية في البلاد، واعتبرت أن ما يُقدَّمه “طوطو” لا يرقى إلى الفن ولا إلى الثقافة، بل يعكس خللاً في الذوق العام وانحداراً في المعنى.
لكن إذا قمنا بتحليل كلام هذه الشخصيات السياسية والدينية وانتقادها لحفل “طوطو”، سنجد أن هدفهم ليس الذوق العام أو الثقافة أو الفن وإنما أن “طوطو” يزاحمهم على الجماهير الشابة التي تريد هذه الشخصيات السياسية استغلالها وتأطيرها بإيديولجيتهم وإدخالهم إلى عالمهم بحيث يسهل السيطرة عليهم واستغلالهم انتخابيا، ويسهل التحكم فيهم من خلال شحنهم بمفاهيم ونظريات من صميم قواميسهم، فيما هم يرسلون أبنائهم إلى الخارج للدراسة والحصول على الشواهد العلمية التي تتيح لهم تبوء مراكز القرار في البلاد، أما باقي الشباب المغاربة فالسياسي يريد أن يقوم بضبط اعدادت الذوق الفني والثقافي لهم، وأن يجب أن يكون على مقاسه، حتى يسهل له التحكم فيهم وتحريكهم كما يشاء، وفق منظوره.
كل هذا الضجيج والعجيج الذي أقاموا به الدنيا ليس من أجل سواد عيون الشباب المغربي ويريدون له حياة كريمة، وفن جميل، وثقافة راقية، لا وألف لا، خير مثال على ذلك هو تسقيفهم للسن في الوظائف العمومية في حدود ثلاثين سنة، هل بالله عليك يريدون الخير للشباب ، ويريدون له تكوين اسرة، فالهدف الأول والأخير هو أن يسهل لهم السيطرة على هذا الشباب الثائر التواق إلى الحرية، هذا الشباب الذي حج إلى حفل طوطو ثارعلى الأيديولوجيات القديمة والكلاسيكية التي لن تفيد في شيء، فقد انتهى دورها، وتاريخها انتهى الى غير رجعة.
لما لا تخرج هذه الشخصيات السياسية وتطالب بإشراك الشباب في السياسة كما دعا صاحب الجلالة في خطاب عيد العرش الذي ألقاه بمناسبة الذكرى الـ19 لتربعه على العرش“يتعين عليها استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي؛ لأن أبناء اليوم هم الذين يعرفون مشاكل ومتطلبات اليوم. كما يجب عليها العمل على تجديد أساليب وآليات اشتغالها”.
لما لا تقحمهم في مجال صناعات السياسات العمومية، بدلا من إقصائهم، هدف السياسي ليس الذوق العام أو الثقافة، هدفه الأول والأخير هو تكوين جيش من الناخبين ، يستغلهم في كل دورة انتخابية ليكونوا وسيلة له للوصول الى السلطة فقط لا غير، ليس هدفه أن يعيش المواطن بكرامة، وأن يستفيد من التطبيب والعلاج، وأن يحيا حياة كريمة، هدفه هو السيطرة على عقول الناس من خلال استعمال الدين وبعض المفاهيم التي تخول له التحكم فيهم، وأن يظهر نفسه أمامهم أنه المصلح وأنه رجل المرحلة، وأنه زاهد في الدنيا لكنه بمجرد أن تحرمه من تلك الامتيازات التي يستفيد منها سترى وجهه الحقيقي، وسينزع ذلك القناع الذي كان يختبئ وراءه، وسيزبد ويرغد ويسب ويشتم، كل ذلك ليس من أجل الوطن والأجيال القادمة وانما من أجل تضخيم رصيده البنكي وتسمينه فقط.
هذا التوتر الحاصل سببه هو الحضور الجماهيري الكبير الذي استقطبه “طوطو”، لأن الأحزاب لا تقدر على ذلك، فالسياسي يحاول استمالة الجماهير من خلال استعمال الخطاب الأيديولوجي والديني لجر الجماهير نحوه، لكن مع التمرد الشبابي الحاصل لم يعد يثق أحد في السياسي، اما “طوطو” فهو يمثل شباب متمرد لديه لغته الخاصة التي يتواصل بها، لديه مصطلحاته التي يفهمها جيله ، فخطاب “طوطو” وأغانيه تحمل تحدي لمفهوم الأخلاق العمومية، التي تم تأطيرها من طرف السياسي والمجتمع الخ، أغاني “طوطو”هي مكونة من كلمات تعبيرية قوامها الوضوح، الشفافية، الصراحة، التعبير عن ما يعانيه الشباب من ظلم، قهر اجتماعي،إقصاء، معاناة، الخ، رغم كل ذلك ما تم نعت به “طوطو”من أوصاف قدحية إلا أنه يبقى إنسان وخير ذلك طريقة استدعائه لزوجته وابنه في مشهد يدل على المحبة والانسانية.
فيبقى “طوطو” مغني الراب باعتبار أن أغاني “الراب”، إلى جانب تعبيرها عن معاناة شباب محبط ومتمرد، ستبقى بالأساس نوعا من التعبير السياسي غير الرسمي، فهذه الأغاني هي تعبير عن نشاط سياسي خارج قنوات التواصل المؤسساتية بين المجتمع والدولة، نتيجة ضعف مؤسسات الوساطة من أحزاب ونقابات وجمعيات في إيصال مطالب المواطنين، خاصة الشباب، إلى مؤسسات الدولة.
اترك تعليقاً