مجتمع

منا أمير ومنكم أمير: حادث السقيفة – الحلقة 9

عودة إلى أصول الخلاف الذي أحدث التحول التاريخي في حياة الإسلام

بالنسبة للرواة والمؤرخين، عدت واقعة “سقيفة بني ساعدة”، نقطة تحول تاريخي في حياة الإسلام التي لازالت ترخي بظلالها على العالم الإسلامي إلى الآن. طرحت الواقعة إشكالية الخلافة، وسؤال من له أحقية خلافة المسلمين، وقضية الشورى، كإحدى أهم نقاط الخلاف التاريخي الديني الذي أوقع تصدعا بين المسلمين، ليفرقهم بين سنة وشيعة.

هي عودة تاريخية، نحن بحاجة إليها اليوم، لفهم ما جرى خلال وقائع حادثة السقيفة، سقيفة بني ساعدة، رغم اختلاف الروايات بشأنها، أين جرت أول مفاوضات علنية بين المسلمين لاختيار ومن يقوم على سياستهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، نوردها بقراءات الأطراف المتصارعة.

9- الهجوم على فاطمة: روايات

كانت العقبة الكبرى أمام خلافة أبي بكر هي معارضة علي بن أبي طالب له ومعارضة السيدة فاطمة بنت محمد (ص) لذلك أيضا.
اعتراض علي بن أبي طالب على خلافة أبي بكر وتحزب جمع من الصحابة حوله، فكانوا يترددون على بيته، ومنهم طلحة والزبير والمقداد وعمار, ولما علم الخليفة الجديد ذلك أصدر أوامره بالهجوم على بيت فاطمة وإخراج من فيه، وطلب الاتيان بعلي بن أبي طالب ومن معه بالقوة كي يبايعوه كخليفة الخليفة الجديد ! قال أبوبكر لعمر بن الخطاب يأمره بعلي بن أبي طالب: “إئتني به بأعنف العنف”، مثلما ورد في “أنساب الاشراف” للبلاذري المتوفى عام 279 للهجرة.

أما ابن عبد ربه، صاحب “العقد الفريد”، فيورد: “فأما علي والعباس والزبير، فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم! فأقبل (عمر) بقبس من نار على أن يُضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة، فقالت يا ابن الخطاب أجئت لتُحرق دارنا؟ قال: نعم”.

وبعبارة البلاذري: “إن أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة، فلم يبايع، فجاء عمر ومعه فتيلة، فتلقته فاطمة على الباب، فقالت فاطمة: يا ابن الخطاب أتراك محرقا علي بابي؟ قال: نعم وذلك أقوى فيما جاء به أبوك”.

وبدوره، يورد ابن قتيبة في “الإمامة والسياسة”: “إنَّ عمر جاء فناداهم وهم في دار عليّ فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجُنَّ أو لاحرقنّها على من فيها، فقيل له: يا أبا حَفص إن فيها فاطمة، فقال: وإن”.

وذكر الطبري في تاريخه: “ولما بويع لأبي بكر، كان الزبير، والمقداد، يختلفان في جماعة من الناس إلى علي، وهو في بيت فاطمة، فيتشاورون ويتراجعون أمورهم، فخرج عمر حتى دخل على فاطمة، وقال: يا بنت رسول الله تأمني أحد من الخلق احب الينا من أبيك، وما من أحد أحب الينا منك بعد أبيك، وأيم الله ما ذاك بما نعى ان اجتمع هؤلاء النفر عندك ان آمر بتحريق البيت عليهم، فلما خرج عمر جاءوها، فقالت: تعلمون أن عمر جاءني وحلف لي بالله إن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف له…”.
وكذلك يورد الطبري في وصف الأحداث التي جرت: “أتى عمر بن الخطّاب منزل عليّ وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف، فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه”.

ويواصل روايته: “وذهب عمر ومعه عصابة منهم محمد بن مسلمة وأسيد بن حضير وسلمة بن أسلم الى بيت فاطمة، فقال لهم: انطلقوا فبايعوا، فأبوا عليه، وخرج إليهم الزبير بسيفه، فقال عمر: عليكم الكلب (يقصد الزبير بن العوام)، فوثب عليه سلمة بن أسلم، فأخذ السيف من يده فضرب به الجدار، ثم انطلقوا به وبعلي ومعهم بنو هاشم، وعلي يقول: أنا عبد الله وأخو رسول الله ، حتى انتهوا به إلى أبي بكر، فقيل له: بايع، فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار، واحتججتم عليهم بالقرابة من رسول الله، فأعطوكم المقادة، وسلموا اليكم الامارة، وأنا احتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الأنصار، فانصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم، واعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم…”.

فقال علي: يا معشر المهاجرين، الله الله، لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم، دفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين، لنحن ـ أهل البيت ـ أحق بهذا الأمر منكم، أما كان منا القاريء لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العالم بالسنة، المضطلع بأمر الرعية، والله انه لفينا، فلا تتبعوا الهوى، فتزدادوا من الحق بعدا”.