مجتمع

منا أمير ومنكم أمير: حادث السقيفة – الحلقة 8

عودة إلى أصول الخلاف الذي أحدث التحول التاريخي في حياة الإسلام

بالنسبة للرواة والمؤرخين، عدت واقعة “سقيفة بني ساعدة”، نقطة تحول تاريخي في حياة الإسلام التي لازالت ترخي بظلالها على العالم الإسلامي إلى الآن. طرحت الواقعة إشكالية الخلافة، وسؤال من له أحقية خلافة المسلمين، وقضية الشورى، كإحدى أهم نقاط الخلاف التاريخي الديني الذي أوقع تصدعا بين المسلمين، ليفرقهم بين سنة وشيعة.

هي عودة تاريخية، نحن بحاجة إليها اليوم، لفهم ما جرى خلال وقائع حادثة السقيفة، سقيفة بني ساعدة، رغم اختلاف الروايات بشأنها، أين جرت أول مفاوضات علنية بين المسلمين لاختيار ومن يقوم على سياستهم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، نوردها بقراءات الأطراف المتصارعة.

علي بن أبي طالب: الغائب الكبير

حين كان الناس مجتمعين في السقيفة، كان علي بن أبي طالب بجانب الرسول، لم يتركه وهو مسجى، ولم يخرج حينها للمنازعة اعلى الخلافة. كان في بيت النبي يعمل على تجهيزه بعد وفاته، في شهادة لعلي بن أبي طالب ابن عم الرسول حول هذا الموقف الذي وجد فيه: “ولقد وليت غسله والملائكة أعواني، فضجت الدار والأفنية ملأ يهبط وملأ يعرج، وما فارقت سمعي هنيهة منهم يصلون عليه حتى وأريناه في ضريحه فمن ذا أحق به مني حياً وميتاً” “نهج البلاغة”.

في الظاهر، بدا أن العديد من الصحابة وكأنهم تركوا نبيهم وحيدا وذهبوا ليتنازعون حول الخلافة.

قيل إن هذا الحادث سجل للمسلمين لثالث مرة في علاقتهم مع الرسول الكريم، ويورد الرواة هنا، حالة وجود المسلمين في المسجد مع الرسول وهو يخطب فيهم، إلا أنهم سرعان ما سمعوا حينها أن قافلة تجارية وصلت المدينة من الشام، قاموا بترك النبي محمد (ص) قائما يخطب، وخرجوا نحو القافلة، حينها نزلت الآية: “وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما”، الجمعة11، الآية).

ثم حين معركة “أحد” التي شهدت هروب عدد كثير من الصحابة وتركوا النبي، ومنهم عثمان بن عفان، الذي قيل إنه هرب لثلاثة أيام, حتى عاتبه النبي بعد عودته قائلا: “لقد ذهبت بها عريضة”، مثلما أورده الطبري في تاريخه، وأيضا في “البداية والنهاية” لابن كثير، وهرب كذلك عمر بن الخطاب وأبوبكر وغيرهم، حتى أن عمرا حينما كان يتحدث عن معركة “أحد”، كان يقول أنه هرب وصعد الجبل مثل المعزى، “وكنت أصعد الجبل كأني أروى”، أورده الطبري، وابن الاثير في “التاريخ”.

وكذلك، مرة أخرى، حين تخلى المسلمون عن النبي في معركة “حنين”، وبقيت قلة مخلصة معه منهم الإمام علي، فيما كان كلا من عمر بن الخطاب وأبو بكر من الفارين منها، مثلما يورده الرواة والمؤرخون.