سياسة

دورة أكتوبر بالدار البيضاء.. ميزانية أخيرة تثير مخاوف الاستغلال السياسي قبل الانتخابات

تعيش جماعة الدار البيضاء على صفيح ساخن، مع اقتراب موعد التصويت على مشروع “الميزانية” الذي يعد الأخير في عمر هذه الولاية الانتدابية. ويضفي هذا المعطى طابعا استثنائيا على الدورة العادية المنتظر عقدها خلال شهر أكتوبر المقبل، بالنظر إلى حساسية المرحلة وأبعادها السياسية والتنموية.

وتواجه عمدة الدار البيضاء، نبيلة الرميلي، واحدة من أصعب الفترات منذ توليها مسؤولية تدبير الشأن المحلي بالعاصمة الاقتصادية، إذ اعتادت مثل هذه المرحلة أن تشهد “تجاذبات انتخابية” حادة بين مكونات المجلس الجماعي، خاصة في ظل تحالف سياسي يوصف بالهش وضعيف الانسجام.

وفي خضم هذا السياق المشحون، يسعى عدد من رؤساء المقاطعات بمختلف الوسائل إلى ممارسة الضغط على العمدة، بغية الحصول على نصيب وافر من الميزانية يسمح بتمويل مشاريع تنموية عاجلة، تساهم في تحسين صورة الأداء المحلي وانقاذ ماء الوجه قبل حلول موعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

ويأتي ذلك في وقت تحاول فيه بعض المجالس المحلية التي كانت محط انتقادات واسعة إثبات حضورها أمام ساكنتها عبر إنجاز أوراش ملموسة، ولو في أشهر معدودة.

ولا يقتصر الحراك على رؤساء المقاطعات فحسب، بل يمتد إلى بعض البرلمانيين المنتمين للمدينة، ممن يشغلون في الوقت ذاته مناصب رئاسة لمقاطعات داخل العاصمة الاقتصادية، حيث يسعون بدورهم إلى إيجاد صيغ قانونية لتمرير مشاريع اقتصادية واجتماعية تخدم دوائرهم الانتخابية.

وحسب مراقبون سياسيون، فقد يزداد تأثير هؤلاء خاصة إذا كانوا ضمن تشكيلة المكتب المسير للمجلس الجماعي، ما يمنحهم قوة تفاوضية أكبر.

ويحذر متابعون للشأن المحلي من أن تتحول “دورة الميزانية” المقبلة إلى سيف ذي حدين، فهي من جهة فرصة لإطلاق مشاريع حيوية تعود بالنفع على الساكنة، لكنها من جهة أخرى قد تتحول إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية، في ظل صعوبة إرضاء جميع الأطراف.

ويرى بعض المحللين أن هذه الدورة قد تمثل “الانفجار الأخير” في العلاقة بين مكونات المجلس قبل إسدال الستار على هذه الولاية، الأمر الذي قد ينعكس على استقرار التسيير المحلي بالمدينة.

وفي هذا السياق، أوضح المهدي ليمينة، الفاعل السياسي بمدينة الدار البيضاء، أن مشروع ميزانية جماعة الدار البيضاء المرتقب عرضه، والذي يعد الميزانية الأخيرة خلال هذه الولاية الانتدابية، يجب أن يكون بمستوى التطلعات وأن يعكس بشكل واضح حجم الخصاص البنيوي الذي تعاني منه العاصمة الاقتصادية للمملكة على مختلف المستويات، سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو البنية التحتية والخدمات العمومية.

وأشار ليمينة، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، إلى أن هذه الميزانية لا يمكن النظر إليها فقط كأداة لتدبير الشأن المحلي في عامها الأخير، بل يجب أن تأخذ بعين الاعتبار طبيعة المرحلة المقبلة وما تحمله من تحديات، خاصة في ظل استعداد المملكة المغربية لاحتضان تظاهرات رياضية كبرى على غرار كأس أمم إفريقيا وكأس العالم 2030.

وقال إن هذه الأحداث ستتطلب تجهيزات متطورة، وتحسين الخدمات، وتطوير البنية التحتية للمدينة، بما يليق بمكانتها ودورها كمحور اقتصادي وسياحي وواجهة للمغرب أمام العالم.

وأضاف المتحدث أن التجارب السابقة أظهرت أن الميزانيات الأخيرة في عمر الولاية الانتدابية غالباً ما تشهد تجاذبات وصراعات سياسية بين رؤساء المقاطعات، حيث يطغى عليها في كثير من الأحيان “الهاجس الانتخابي” بدل التركيز على الاستجابة الحقيقية لأولويات الساكنة.

وشدد الفاعل السياسي على ضرورة ضمان التوزيع العادل للموارد المالية بين مختلف المقاطعات، بما يتناسب مع حجم الخصاص والاحتياجات الفعلية لكل منطقة، وليس وفق حسابات سياسية أو مصالح ظرفية.

كما حذر ليمينة من مخاطر “الاستغلال السياسوي” لهذه الموارد المالية، خصوصا من طرف بعض رؤساء المقاطعات الذين يجمعون بين المسؤولية المحلية والصفة البرلمانية، الأمر الذي قد يدفعهم إلى توظيف المشاريع والميزانيات لخدمة حملاتهم الانتخابية المستقبلية بدل خدمة المواطن.

وختم تصريحه بالتأكيد على أن هذه المرحلة، بصفتها الأخيرة في عمر هذه الولاية، يجب أن تكون مرحلة متميزة ترسخ الثقة بين الساكنة والمؤسسات المنتخبة، وتضع أسسا صلبة لمرحلة جديدة قوامها الحكامة الجيدة والشفافية في تدبير المال العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *