وجهة نظر

استرجاع أقاليم وادي الذهب بين رمزية الذكرى وعمق الحسم العسكري 

تتميز ذكرى استرجاع أقاليم وادي الذهب هذه السنة بكونها تأتي في سياق جيو ستراتيجي  خاص يتمثل في الرغبة الدولية في الطي النهائي لهذا الملف الذي عمر لأكثر من نصف قرن بسبب توظيفه في إطار تنافس إقليمي من طرف النظام الجزائري الذي أصبح يعاني من عزلة سياسية ودبلوماسية تجسدت بالخصوص بالإضافة إلى تجديد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء باعتراف فرنسي ومساندة بريطانية لمبادرة الحكم الذاتي ليشكل ذلك ثلاثيا قويا بمجلس الأمن يرجح الموقف المغربي في انتظار اصطفاف روسي وصيني إلى جانب هذا الموقف خاصة بعد تراجع العديد من الدول خاصة الافريقية عن اعترافها بجمهورية البوليزاريو والتي كانت قاب قوسين أن تتموقع سياسيا وعسكريا خلال غشت 1979  بأقاليم مغربية تخلى عنها نظام عسكري أطاح برئيس موريتاني شرعي  مما دفع بالمغرب إلى التحرك لاسترجاع هذه الأقاليم .

  – استرجاع أقاليم وادي الذهب وتكريس الشرعية السياسية                       

تميزت عملية التحرر السياسي للمغرب من ربقة الاستعمار بخصوصيتها  في المنطقة  . بقدر ما كانَ تعدد القوى الاستعمارية خاصة الفرنسية والاسبانية ممزقا لجغرافية المغرب  السياسية والبشرية حينَ احتلاله المباشِر سنة 1912؛ بقدر ما كان سعي المغرب لاستعادة استقلاله ووحدة ترابه صعْباً وشاقا ومُغايرا لمسار جيرانه الجزائريين والتونسيين. حيث كان استكمال تحرير ترابه على مراحِل وأيضا في إطار ضوابط الشرعية السياسية لدولة امتدت لقرون . وهكذا فاسترجاع المغرب لأقاليمه الصحراوية ، وحتى إن تطلبت الأوضاع الدولية والإقليمية ولعبة السياسة الدولية القبول بإبرام اتفاق مريد ينص على تقسم أقاليم المغرب الجنوبية مع الدولة الموريتانية تخفيفا لتخوفاتها السياسية وفي نفس الوقت تفكيك التحالف الاسباني الجزائري بشأن تأسيس دولة صحراوية بخاصرة المغرب تغلق انفتاحه على عمقه الافريقي وتزيح اهتمامه عن المطالبة بصحرائه الشرقية التي أدمجها الاستعمار الفرنسي في إطار مخططه حول الجزائر الفرنسية ، وتلهيه أو تؤخر مطالبته باسترجاع سبتة ومليلية من اسبانيا التي تعتبرهما جزءا لا يتجزأ من ترابه وإن كانتا ضمن جغرافية مغربية،استند بالأساس على الشرعية السياسية المستمدة من شروط البيعة وضوابطها .

فبعد مبادرة السيد خليهنا ولد الرشيد ومجموعة من رفاقه، الذين التحقوا بالمغرب في ماي 1975، لتجديد البيعة والقطع مع المشروع الاستعماري الإسباني في عهد فرانكو، قام المرحوم خطري ولد السعيد الجماني على رأس وفد من أعيان الصحراء لتقديم البيعة لجلالة الملك الحسن الثاني بمدينة أكادير، حيث قلده جلالته سلهام الرضا، في دلالة رمزية بليغة على العطف الملكي والثقة في أبناء الصحراء. وقد  سبق أن عبر الجماني عن روابط البيعة التي تجمع بين ساكنة الصحراء والعرش العلوي من خلال الندوة الصحفية التي عقدها بتاريخ4 نوفمبر 1975 بمدينة أكادير قال فيها :” جئنا للمغرب لنجدد الولاء و البيعة باسم سكان الصحراء لجلالة الملك الحسن الثاني كما فعل أجدادنا”.و حينما سئل عن موقف الجماعة التي يترأسها في حالة ما إذا توصلت إسبانيا و المغرب الى اتفاق بشان الصحراء، قال: نحن مسلمون، و كلنا نعرف أننا مغاربة، و نحن مطوقون بالبيعة الالاهية التي في اعناقنا للعرش المغربي، كما فعل اجدادنا.”

وعلى نفس المنوال ، كانت البيعة هي الغطاء الشرعي الذي واكب استرجاع المغرب لأقاليم  وادي الذهب. إذ بعد ثلاثة أيام عن رفض المغرب مضموتن الاتفاق الموقع يوم 6 غشت 1979بين جبهة البوليزاريو و نظام ولد هيدالله بشأن تسليم وادي الذّهب للبوليساريو، ، اهتبل الملك الحسن الثاني فرصة مشاهدة المغاربة لإحدى الدروس الحسنية ليوم الخميس 2 رمضان الموافق لــ 8 غشت 1979 فأخَذ الكلمة وتوجه إلى الداخل والخارج قائلا:” شعبي العزيز؛ من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومَن كانت هجرته على صحرائه فهجرته إلى صحرائه. (..) قرَّرنا أنْ تَكون هِجرتنا إلى صحرائنا وقْفًا علينا وعلى أبنائنا وحفدتنا، (..) يقول سبحانه وتعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم؛ وأنا أترجِمها بالدارجة (كبَّرها تْـصغار)” ومباشَرة بَعد هذه الكلمة؛ “تجمع  سكان مدينة الداخلة ورفعوا رايات المغرب، وحاصَروا القوات الموريتانية التي كانت تَـنتظر وصول الانفصاليين تحت عباءة جزائرية”.فيما كان رد فِعل أبناء المنطقة المغاربة الأقحاح؛ استِنكار السلوك الموريتاني والتوجّه صوب العاصمة الرباط في وفْــد كبير وهَامِّ، ضم “مختلِف قبائل وادي الذهب لتأكيد انتماء السكان إلى المغرب””

وهكذا استقبل الملك الحسن الثاني  يوم 14 غشت1979 في القصر الملكي بالرباط أعيان وشيوخ القبائل الصحراوية من منطقة وادي الذهب ، وخاطبهم قائلاً: «إننا قد تلقينا منكم اليوم البيعة، وسوف نرعاها ونحتضنها كأثمن وأغلى وديعة، فمنذ اليوم بيعتنا في أعناقكم، ومنذ اليوم من واجباتنا الذود عن سلامتكم والحفاظ على أمنكم والسعي دوما إلى إسعادكم، وإننا لنشكر الله سبحانه وتعالى أغلى شكر وأغزر حمد على أن أتم نعمته علينا فألحق الجنوب بالشمال ووصل الرحم وربط الأواصر».

وقد قام الملك الحسن الثاني خلال هذا اللقاء، بتوزيع السلاح على وفود القبائل في إشارة رمزية إلى استمرار الكفاح من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية وعن استتباب الأمن والأمان والاستقرار بالأقاليم الجنوبية المسترجعة إلى الوطن.

– استرجاع أقاليم وادي الذهب وتكريس استكمال الوحدة الوطنية

بعد إقدام إسبانيا على سَحْب آخر عساكرها من الصحراء الغربية بتاريخ 12 يناير 1976، اشتعلت الحرب بين القوات المسلحة الملكية  وقوات جبهة البوليزاريو بدعم من النظام الجزائري الذي وفر لها المحضن السياسي واللوجيستكي  بتندوف حيث من تمة تم الإعلان فيها عن قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الشعبية الديمقراطية” وتشكيل في مارس 1976 أوّل حكومة صحراوية وهمية.

-الانقلاب على الرئيس ولد داده والتنازل الموريتاني عن منطقة وادي الذهب

في إطار التحالف العسكري بين موريتانيا والمغرب  والتفاهم بشأن تقسيم وادي الذهب بينهما، ركزت جبهة البوليزاريو في حربها مع المغرب  على ضرب موريتانيا بوصفها الحلقة الأضعف . ففي 9 من يونيو 1976 ؛ شنت جبهة البوليساريو هجوماً على العاصمة نواكشوط، كان من ضحاياه رئيسُها المؤسِّس الولي مصطفى السيد.لتوالي في صيف 1977 الهجوم الثاني على العاصمة الموريتانية. وبالتالي فعلى الرغم من دعم المغرب موريتانيا بحوالي 7.000 جندي ضمن ما أسماه  الملك الحسن الثاني في خطابه يوم 11 نونبر 1977 بــ”استعمال حَق الـمُطارَدة” ضد هجمات البوليساريو على حدوده وحدود موريتانيا، واصلَت عصابات البوليساريو بمساندة من حكام الجزائر الضغط على موريتانيا لإنجاح انقلاب عسكري على الرئيس المختار ولد دادّاه،  و حمل الموريتانيين على الجلاء من منطقة تِيرس الغربية/وادي الذهب وتسليمها للبوليساريو ليُقيم عليها دولته”.  وهكذا فبعدما أطيح بالرئيس الموريتاني ولد داداه ، تولت  مقاليد السلطة حكومة يَقودها محمد خونة ولد هيدالة الموالِي للجزائر، فأجْرَت في يوليوز حوارات ومفاوضات في باريس ومدريد والجزائر العاصمة، تم فيها إبعاد كل العناصر الحكومية الموالية أو المتعاطفة مع المغرب؛ ليعلن ولد هيداله عزم حكومته تسليم وادي الذّهب للبوليساريو، من خلال التوقيع على اتفاق  رسمي  بتاريخ م 6 غشت 1979، يقضي بالتنازل عن هذه المنطقة الإستراتيجية بالنسبة للمملكة.والاعلان رسميا عن انتهاء صلاحية إدارة الجمهورية الإسلامية الموريتانية لوادي الذهب، وأنها ستتخذ موقف الحياد تجاه ملف الصحراء والنزاع الإقليمي.

التدخل العسكري المغربي في منطقة وادي الذهب

بدا للمغرب الذي كان يتابع هذه التحركات بحذر شديد ، أن هذه الخطوة التي أقدم عليها نظام ولد هيد الله تهدد استكمال المملكة لوحدتها الترابية من خلال السماح للبوليزاريو باحتلال هذه المنطقة للشروع في تنفيذ مشروعها الانفصالي . وبالتالي ، أمر الملك الحسن الثاني  كأمير المؤمنين وكقائد  للقوات المسلحة الملكية  بدخول الجيش المغربي إلى منطقة وادي الذهب التي انسحبت منها موريتانيا التي كانت تسيطر عليها بموجب اتفاق مدريد، حيث أرسل ما بين 6 إلى 8 آلاف جندي إلى تلك المناطق لتأمينها، قبل أن تواجهه “البوليساريو” عن طريق حرب العصابات. حيث كانت أولى المعارك الطاحنة التي نشبت بين الطرفين هي معركة بئر انزاران، بعدما قامت الجزائر بتسليح و تجهيز 3000 عنصر من ميليشيا البوليساريو مؤطرين من طرف خبراء من الاتحاد السوفياتي وكوبا وألمانيا الشرقية ومن الفيتنام، كانوا محملين على 500 دبابة ومجهزين بمختلف الأسلحة من المدفعيات و الصواريخ المضادة للدروع وصواريخ سام و راجمات من نوع “أوركسطالين، كل قذيفة منها يصل ثمنها الى 20 مليون سنتيم مغربية. مما دفع بحوالي 800 جندي وضابط كبير بقيادة الكولونيل الخجدامي  المرابض بثكنة بئر انزاران الصغيرة  للتصدي لهذا الهجوم الكبير، حيث فقد الجيش المغربي حوالي 150 جنديا، بينما قتل في الجانب الآخر حوالي 500 مسلح و تم تدمير 200 عربة كانت تقلهم إضافة إلى العديد من السيارات الرباعية الدفع، كما غنم الجيش المغربي الكثير من الأسلحة المتطورة التي سلمها القدافي لميليشيا “البوليساريو” و المستوردة على الخصوص من المصانع الروسية و الأوكرانية.

وبالتالي ، فقد أفشل الجيش المغربي من خلال معركة بئر أنزران التي قادها الضابط محمد الغجدامي، الشهير بلقبي ثعلب الصحراء و أسد الصحراء، مخطط السلطات الجزائرية التي كانت تهدف الى احتلال اقليم وادي الذهب.  وعلى الرغم من الهزيمة العسكرية التي منيت به قوات من الجيش في منطقة الوارقزيز ، ستتمكن مجموعة “أحد” بقيادة الكولونيل أحمد الدليمي وادي الذهب في أكتوبر 1979 نتيجة لعدة عوامل من أهمها :

– تقسيم  هذه الفرقة إلى مجموعتين ومنحها معدات عسكرية حديثة ومناسبة لطبوغرافية المنطقة.

– مكانة الدليمي في تلك الفترة ، حيث كان منصبه الرسمي هو مدير ديوان المرافقين الشخصيين للملك و رئيس الاستخبارات العسكرية، حيث ساهم عنصر قربه من الملك بأن يكون الآمر و الناهي في شؤون الجيش، حيث أنه كان أكثر حظوة من رئيسه المباشر قائد المنطقة الجنوبية الكولونيل عبروق. لذلك لم يكن من الصعب عليه أن يقنع عبروق بمنحه عتادا حربيا و عناصر بشرية متدربة لخوض هذه المعركة المصيرية.

– مساهمة سلاح الجو المتطور الذي استقدمه المغاربة من أمريكا و فرنسا -بتمويل   سعودي-  ومنها الطائرات الامريكية ف 5  و طائرات ميراج 2000” الفرنسية  في شل تحركات البوليزاريو وقنبلة مواقعهم المتحركة

وبالتالي ، ففي يناير 1980 ستتوجه المجموعة “باء” التابعة لفرقة “أحد” بقيادة العريشي صوب الوركزيز انطلاقا من الداخلة التي شرعت في عملية التمشيط وفك الحصار عن الزاك، وكللت هذه العملية بالنجاح، حيث تمت تنقية جبال الوركزيز ورفع الحصار عن الزاك، بفضل إحداث ما يسمى بـ DIR، وهي عبارة عن كتائب صغيرة اختصت في مطاردة مقاتلي الجبهة أينما وجدوا عوض الانتظار داخل الخنادق الثابثة. وقد ساهم ذلك في تنقية جبال الوركزيز من كل مقاتلي جبهة البوليزاريو حيث  ستمنى بخسائر فادحة في الأرواح والعتاد .

وكان هذا الانجاز العسكري بمثابة تحول ونقطة فاصلة للنزاع في شقه العسكري مع البوليساريو.

ولتكريس هذا الانجاز العسكري  ، قام الملك الحسن الثاني بزيارة مدينة الداخلة في 4 مارس 1980، حيث احتفل بعيد العرش هناك. حيث كانت هذه الزيارة الملكية ذات أهمية خاصة لأنها المرة الأولى التي يتم فيها الاحتفال بعيد العرش خارج العاصمة الرباط في دلالة سياسية على اعتبار منطقة وادي الذهب التي تم استرجاعها جزء لا يتجزأ من التراب الوطني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *