أدب وفنون

المهرجانات الصيفية بين جدل “تبديد الأموال” وصناعة الاقتصاد الثقافي

مع حلول كل موسم صيفي في المغرب يتجدد النقاش الحاد حول المهرجانات الفنية والثقافية التي تحتضنها مختلف المدن.

وبينما يحتفي البعض بكونها تظاهرات تضفي حيوية على الفضاءات العمومية وتمنح الشباب والعائلات متنفسا في ظل ضغوط الحياة اليومية، يراها آخرون شكلا من أشكال “تبديد المال” في وقت ما تزال فيه قطاعات أساسية كالتعليم والصحة والبنيات التحتية في حاجة ماسة إلى موارد إضافية.

ولازالت المهرجانات الفنية  رغم قرب نهاية موسم الصيف تتصدر واجهة النقاش العمومي، إذ يعبر بعض المغاربة عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبهم مما يصفونه بـ”الترف المكلف”، بينما يدفع آخرون عنها معتبرين أنها صناعة قائمة بذاتها، تدر أرباحا مهمة على الاقتصاد الوطني وتمنح للمجتمع متنفسا ثقافيا وسياحيا.

اختلال الأولويات.. والرهان الاقتصادي

ينتقد رافضو تنظيم المهرجانات الصيفية ما يصفونه بـ “اختلال الأولويات” في المغرب في ظل أزمات اجتماعية متراكمة، حيث يدعون إلى تخصيص الميزانيات التي توجه للحفلات والسهرات وتقدر بملايين الدراهم إلى بناء المستشفيات أو دعم الشباب الذين يعانون البطالة أو تطوير فضاءات رياضية وثقافية دائمة.

ويتهم ذات المصدر، المهرجانات بأنها وسيلة “لتلميع” صورة غير حقيقية عن المغرب الذي يعاني التهميش والفقر في مناطق قريبة من مواقع تنظيمها، أو لخدمة أجندات فنية وتجارية ضيقة، بعيدة عن المصلحة العامة.

في المقابل، يطرح المدافعون عن المهرجانات مقاربة مختلفة، مؤكدين أن هذه التظاهرات ليست مجرد حفلات غنائية، بل هي فضاءات للتلاقي الثقافي وتثمين التراث المحلي وجذب السياح.

ويشير ذات المصدر، إلى أن المهرجانات الكبرى في المغرب مثل “موازين”، “كناوة” و”الموسيقى الروحية” بفاس باتت تحظى بإشعاع دولي، مما يساهم في تعزيز صورة المغرب كبلد للتنوع الثقافي والانفتاح.

وعلى المستوى الاقتصادي يشدد منظمو المهرجانات على أن هذه الفعاليات تضخ أموالا مباشرة في المدن التي تحتضنها، سواء عبر الفنادق والمطاعم أو عبر فرص الشغل المؤقتة التي توفرها في التنظيم والخدمات والنقل والأمن. كما تساهم في انتعاش التجارة الموسمية، وتخلق دينامية لا تحققها عادة السياسات العمومية التقليدية.

صناعة ثقافية أم ترف مفرط؟

يرى خبراء الاقتصاد الثقافي أن المهرجانات لم تعد ترفا، بل أصبحت صناعة قائمة بذاتها تدر على الدول المئات من الدولارات، وتحتاج إلى استراتيجيات واضحة في التمويل والتسيير والتقييم.

لكنهم في الوقت نفسه يشددون على أن هذه الصناعة لا يمكن أن تنمو بشكل سليم إلا إذا ارتبطت بالشفافية في صرف الميزانيات، وبآليات محاسبة تضمن أن الأموال العمومية تستثمر فعلا في خدمة التنمية الثقافية والاجتماعية، وليس فقط في جلب أسماء فنية شهيرة.

ويطرح البعض مقترحات عملية للخروج من ثنائية “مع أو ضد”، منها ربط المهرجانات بمشاريع موازية في تكوين الشباب على المهن الفنية والثقافية، أو تخصيص نسب من ميزانياتها لتمويل مبادرات اجتماعية محلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *