صراعات انتخابية تهدد أغلبية مجلس الحي الحسني وسط خلافات حول الميزانية وحماية المرأة

يعيش مجلس مقاطعة الحي الحسني بالدار البيضاء حالة من التوتر السياسي بين أقطاب التحالف المحلي بالمنطقة، خاصة بعدما زادت الأمور تعقيدا عقب الاجتماع الأخير لـ”لجنة الشؤون المالية والاقتصادية”، الذي كان مخصصًا لمناقشة مشروع تحويلات مالية ضمن ميزانية السنة الجارية.
ويجري الصراع السياسي بين نواب رئيس مقاطعة الحي الحسني المنتمين لأحزاب الأغلبية، خصوصا بين حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال، وهو الأمر الذي بات يهدد تماسك التحالف والمجلس ككل.
ومنذ أواخر غشت المنصرم، دخلت الأحزاب السياسية المتصارعة في حرب “البلاغات” والبلاغات المضادة، وذلك في سياق الإعداد والتحضير للميزانية الأخيرة قبل الانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها السنة المقبلة.
وقد طغى التراشق السياسي عبر البلاغات، التي صيغت بلغة حادة، على المشهد السياسي داخل أكبر مقاطعات العاصمة الاقتصادية، في الوقت الذي تطالب فيه أصوات جمعوية وحقوقية بطي صفحة الخلاف والالتفاف حول المشاكل التي تعاني منها الساكنة.
وتأتي هذه التطورات، التي قد تعصف بأغلبية المجلس، بعدما اعتبرت الأمانة العامة الإقليمية لحزب الأصالة والمعاصرة بالحي الحسني أن ما تعرضت له الدكتورة نادية عنيبات، بصفتها نائبة رئيس اللجنة، يندرج ضمن خانة “التصرفات غير المقبولة” الصادرة عن النائب البرلماني محمد الرجاني والمستشار مروان هبالو، بعدما وجها إليها كلمات وصفت بأنها “تجاوزت حدود اللياقة والاحترام الواجب داخل أشغال المجلس”.
وبحسب ما ورد في مراسلة احتجاجية موجهة إلى رئيس مجلس المقاطعة، فقد حاول المعنيان “التشويش على سير الجلسة وفرض آراء شخصية بالقوة، خاصة فيما يتعلق بموضوع التسجيلات”، فيما اعتبر “مساسا بكرامة عضو منتخب يمثل الساكنة وتحديا لاختصاصات رئاسة الجلسة”.
المراسلة نفسها استندت إلى مقتضيات الفصلين 6 و19 من دستور المملكة، اللذين يؤكدان على سمو القانون والمساواة بين المواطنين، رجالا ونساء، كما ذكرت بمقتضيات القانون التنظيمي رقم 113-14 المتعلق بالجماعات، الذي يخول لرئيس المجلس صلاحية ضبط النظام داخل الجلسات.
وشددت الشكاية على أنه ما وقع “لا يسيء فقط إلى شخص المنتخبة المستهدفة، بل يشكل إساءة مباشرة للجهود الوطنية التي يقودها الملك محمد السادس من أجل تعزيز مكانة المرأة في الحياة العامة والسياسية”، مذكرا بقول الملك الراحل محمد الخامس: “إن نهضة المغرب لا يمكن أن تتحقق إلا بمشاركة أبنائه وبناته على السواء في بنائه.”
وفي نفس السياق، ردت الكتابة الإقليمية لحزب الاستقلال بفرع الألفة على البيان الذي أصدره الأمين الإقليمي لحزب الأصالة والمعاصرة، والذي كان قد وجه رسالة احتجاج إلى عامل عمالة الحي الحسني ضد ما اعتبره “سلوكات غير مقبولة” صادرة عن النائب الأول لرئيس مجلس المقاطعة وأحد المستشارين المنتمين لحزب الاستقلال.
واعتبر حزب الاستقلال أن الخطوة التي أقدم عليها غريمه السياسي ليست سوى محاولة انتخابية سابقة لأوانها، من خلال ما وصفه بـ”توظيف صورة المرأة في حسابات سياسية ضيقة”، مذكرا بأن النائب البرلماني المشتكي لم يسبق له الدفاع عن قضايا النساء لا داخل قبة البرلمان ولا خلال دورات مجلس المقاطعة.
وجاء في رد حزب الاستقلال أن خصمه “نصب نفسه مدافعا عن مستشارة من حزبه لأسباب انتخابية بحتة”، مضيفا أن “بيت المشتكي من زجاج، ومع ذلك يرشق الآخرين بالحجارة”، في إشارة إلى ظروف انتخابه نائبا سادسا لرئيس المقاطعة وما رافقها من جدل واحتجاجات.
كما انتقدت الرسالة ما وصفته بـ”عجز” ممثل الأصالة والمعاصرة عن تقديم أي إضافة للساكنة منذ توليه المسؤولية، سواء على مستوى مجلس المقاطعة أو سابقا عندما كان كاتبا لمجلس جهة الدار البيضاء سطات.
وأكد حزب الاستقلال أن تاريخه يشهد على الريادة في إشراك المرأة المغربية في العمل السياسي، مذكرا بأن المرأة الوحيدة الموقعة على وثيقة المطالبة بالاستقلال تنتمي إلى الحزب، وأنه أول من فتح أبواب اللجنة التنفيذية أمام النساء منذ الثمانينات، فضلاً عن ترشيحه سيدات لرئاسة المقاطعات بالدار البيضاء.
كما ذكرت الكتابة الإقليمية بحرص الحزب محليا على تشجيع الكفاءات النسائية، من خلال ترشيح شابات لمناصب المسؤولية داخل المجلس، في مقابل اتهامها الأمين الإقليمي للأصالة والمعاصرة بـ”استعمال نفوذه لإقصاء مستشارة من حزبه بعدما رفضت التصويت له”.
وقال طارق كعدة، الفاعل الجمعوي بمنطقة الحي الحسني، إن الشكاية التي رفعها حزب الأصالة والمعاصرة ضد حزب الاستقلال على خلفية ما وقع خلال أحد الاجتماعات المتعلقة بمقاطعة الحي الحسني، لا تعدو أن تكون “مبالغة في توصيف مشادات عابرة بين منتخبين”، مشيرا إلى أن مثل هذه التوترات أمر مألوف في النقاشات السياسية المحلية، ولا تستدعي تضخيمها إلى مستوى صراع حزبي كبير.
وأوضح كعدة، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن حزب الأصالة والمعاصرة حاول استغلال الحادثة سياسيا عبر “توظيف ورقة المرأة كوسيلة للضغط وكسب التعاطف”، وهو ما اعتبره سلوكا يهدد تماسك الأغلبية المسيرة للمجلس.
وأضاف المتحدث ذاته أن هذا الموقف يطرح الكثير من علامات الاستفهام، خاصة وأن الحزب نفسه سبق أن أقدم قبل أسابيع قليلة على طرد إحدى العضوات من المجلس، الأمر الذي يكشف تناقضا في خطابه وممارساته.
وشدد المتحدث ذاته على أن “مشاكل مقاطعة الحي الحسني أكبر بكثير من هذه المناوشات السياسية الضيقة”، لافتا إلى أن المنطقة تعاني من قضايا تنموية واجتماعية ملحة، مثل ضعف البنية التحتية وتدهور بعض الخدمات الأساسية وانتظارات الساكنة في مجالات النظافة، النقل، الأمن، والمساحات الخضراء.
وأكد أن التركيز على هذه التحديات أولى بكثير من الدخول في “حروب سياسية جانبية” لا يستفيد منها المواطنون.
كما دعا كعدة المنتخبين المحليين إلى التحلي بروح المسؤولية، والتجرد من الحسابات الانتخابية السابقة لأوانها، معتبرا أن “المعركة الحقيقية يجب أن تكون من أجل تحسين ظروف عيش الساكنة والبحث عن حلول مبتكرة لمشاكلها اليومية، لا من أجل تسجيل نقاط انتخابية ضيقة على الخصوم”.
اترك تعليقاً