ترشح الشباب خارج مظلة الأحزاب.. إصلاح انتخابي يستجيب لعزوف الشباب أم يعمق الثقة في السياسة؟

أكد أستاذ القانون الدستوري بجامعة سيدي محمد بن عبدالله بفاس، أمين السعيد، أن دعوة المجلس الوزاري الأخير برئاسة الملك محمد السادس إلى إصلاح القوانين التنظيمية المرتبطة بالمشهد السياسي في المغرب تهدف بشكل أساسي إلى توسيع قاعدة المشاركة عبر فتح الباب أمام ترشح الشباب خارج مظلة الأحزاب السياسية.
وأوضح الأستاذ الجامعي في تصريح لجريدة “العمق” أن هذا التوجه الجديد يعد استجابة مباشرة لأحد الأعطاب الكبرى للعزوف السياسي خاصة في صفوف الشباب الذين يرفضون الانخراط في العمل السياسي عبر المقاربات التقليدية للأحزاب التي لا تغري الشباب بسبب ضعف الديمقراطية الداخلية ومحدودية دوران النخب الحزبية، بالإضافة إلى تحكم بعض القيادات الحزبية في هياكل وتصوراته.
وصادق المجلس الوزاري، الذي ترأسه أمس الأحد، الملك محمد السادس الأحد بالقصر الملكي في الرباط، على مشروعي قانونين تنظيميين يتعلقان، على التوالي، بمجلس النواب وبالأحزاب السياسية. وجاء في بلاغ الديوان الملكي: “يهدف مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب إلى تخليق الاستحقاقات التشريعية المقبلة وضمان سلامتها، وإفراز نخب تحظى بالشرعية والثقة، وذلك من خلال تحصين الولوج إلى المؤسسة النيابية في وجه كل من صدرت في حقه أحكام يترتب عليها فقدان الأهلية الانتخابية، واعتماد الحزم اللازم لاستبعاد كل من تم ضبطه في حالة التلبس بارتكاب أي جريمة تمس بسلامة العمليات الانتخابية، علاوة على تشديد العقوبات المقررة لردع كل المحاولات التي قد تستهدف سلامة العمليات الانتخابية في جميع أطوارها”.
وأضاف البلاغ “ولتحفيز الشباب الذين لا تفوق أعمارهم 35 سنة، على ولوج الحقل السياسي، يتوخى هذا المشروع مراجعة شروط ترشحهم وتبسيطها، سواء في إطار التزكية الحزبية أو بدونها، وإقرار تحفيزات مالية مهمة لمساعدتهم على تحمل مصاريف الحملة الانتخابية، من خلال منحهم دعما ماليا يغطي 75% من مصاريف حملاتهم الانتخابية. كما يقترح المشروع تخصيص الدوائر الانتخابية الجهوية حصريا لفائدة النساء دعما لحضورهن في المؤسسة النيابية”.
وأشار الأستاذ أمين السعيد إلى أن المنظومة الانتخابية في المغرب ظلت منذ الاستقلال وفية لفكرة الترشيحات الحزبية مقابل تضييق الخناق على الترشيحات المستقلة (غير المنتمين) من خلال شروط قانونية معقدة كانت تعجز الأفراد غير المنتمين للأحزاب السياسية. وأضاف السعيد أن الأرقام والدراسات التي اشتغلت على علاقة الشباب بالسياسة توضح بما لا يدع مجالا للشك وجود عزوف سياسي شبابي مرتبط في جزء كبير منه بتصور سلبي للأحزاب السياسية وفشل مقارباتها في استقطاب فئات واسعة منهم.
وتابع أمين السعيد أن هذا ما ترجمته أيضا المطالب الشبابية الأخيرة التي عرفت بحركة شباب “جيل زاد” التي ترفض بشكل صريح منهجيات ومقاربات الأحزاب السياسية القائمة والنموذج الحزبي الحالي بصيغته التقليدية المبني على الضبط وتدييق مساحات الابداع والنقاش والتعبير . واعتبر أن هذا الإجراء الجديد من شأنه أن يفتح المجال لانخراط فئة واسعة من الشباب في تدبير الشأن العام من بوابة ما يمكن تسميته بتيار المستقلين، مما سيخرج المشهد السياسي من رتابته وروتينه.
وأكد الأستاذ أمين السعيد أن نجاح هذا التوجه يبقى مرهونا بمدى المرونة والتيسير في تطبيقه خاصة على مستوى توضيح وتدقيق شروط الترشح وتجنب تقييدها بإجراءات مسطرية معقدة وتعجيزية. وشدد على ضرورة تهيئة المناخ العام والشروط المرافقة لضمان فعالية هذا الإجراء وعلى رأسها تقديم دعم مالي مباشر وفردي للمترشحين وإعادة النظر في التسجيل في اللوائح الانتخابية لتسجيل كتلة جديدة من المصوتين وتيسير ولوج المستقلين إلى الفضاء الإعلامي الرسمي والجديد بهدف تشجيعهم على تسويق خطابهم وأفكارهم.
لكن في المقابل، حذر أمين السعيد من وجود تحديات موضوعية وبنيوية قد تعيق ما وصفه بـ”حلم البديل السياسي المستقل في المغرب”. وأوضح أن أول هذه التحديات يتمثل في تجذر شبكات الكائنات الانتخابية خاصة في الدوائر ذات البعد القروي والدوائر الكبيرة، حيث تنشط شبكات من “محترفو الانتخابات”. أما العطب البنيوي الثاني فيتعلق بضبابية المرجعية السياسية للمستقلين والتي قد تسقط في غياب مرجعية واضحة في الخطاب الشعبوي كما برز في بعض النماذج المقارنة.
واستطرد المحلل السياسي أن التحدي الثالث يصطدم بضعف التجربة الانتخابية للمستقلين، خاصة في إدارة الانتخابات التي تتطلب خبرة في التعامل مع سوسيولوجيا مغربية معقدة ومركبة في المناطق القروية والأحياء الشعبية، وهو ما قد يفاجئ المستقلين بنتائج كارثية. وأردف أن العطب الأخير، يتمثل في مدى استمرار المال الفاسد في العملية الانتخابية، مؤكدا أنه كلما تحصنت العملية الانتخابية وتشددت الشروط الجنائية والزجرية انعكس ذلك إيجابا على بروز تيار مستقل وبديل سياسي جديد.
وخلص أمين السعيد إلى أن هذا المشروع الذي سيحال على مجلس النواب ومجلس المستشارين سيفتح الباب أمام جميع التأويلات والتفسيرات فيما يتعلق بتنظيم هذا التوجه الجديد ،ويمكن أن يؤسس لمشهد سياسي غير مرتبط بالأحزاب التقليدية الثمانية التي ألفها المجتمع بل مشهد سياسي متغير بتيار مستقلين وبمناقشات وتموقعات وتحالفات خاصة بهم تفتح نقاشا جديدا حول مشاركتهم في الحكومة أو اختيارهم للمعارضة.
اترك تعليقاً