فيدرالية اليسار: الانتخابات المقبلة تتطلب إصلاحا عميقا لمواجهة الفساد واستعادة الثقة

أعلن عبد السلام العزيز، الأمين العام لحزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، أن المذكرة التي قدمها الحزب بخصوص الإطار المنظم للانتخابات التشريعية لسنة 2026 لا تقتصر على مجرد اقتراحات تقنية مرتبطة بالقوانين والمساطر، بل تنطلق من قراءة سياسية دقيقة لما يعيشه المغرب اليوم من تراجع ديمقراطي وتضييق على الفضاء العام.
وأكد العزيز اليوم الأربعاء خلال ندوة صحفية احتضنها مقر الحزب بالدار البيضاء تحت شعار “إصلاح جوهري للإطار المنظم للانتخابات التشريعية لسنة 2026″، أن أي إصلاح حقيقي لا بد أن يتوجه مباشرة إلى جذور الأزمة، وفي مقدمتها أعطاب المنظومة الانتخابية، باعتبارها الحلقة المركزية التي تمنح الشرعية للمؤسسات وتعيد الثقة بين المواطن والدولة.
وأوضح العزيز، أن إصلاح الانتخابات ليس مسألة تقنية بحتة، بل هو مشروع سياسي بامتياز، لأن ضمان نزاهة وشفافية الاستحقاقات المقبلة لا يمكن أن يتحقق في ظل استمرار الأجواء الحالية التي تتسم بالاحتقان وغياب الحرية الكاملة للتعبير والتنظيم.
وشدد على أن المدخل الأول لأي إصلاح سياسي جاد هو إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والصحفيين والحقوقيين، لأن وجودهم خلف القضبان يتناقض مع أبسط مقومات التعددية والعدالة الاجتماعية.
وفي تحليله للوضع العام، اعتبر الأمين العام أن الفساد في المغرب لم يعد حالات معزولة أو ممارسات فردية، بل تحول إلى بنية ممنهجة تخترق مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، من الصفقات العمومية إلى تدبير الموارد الطبيعية، وصولا إلى التأثير المباشر على الأسعار.
وأبرز أن الزيادات المتكررة في المواد الغذائية والمحروقات خلال السنوات الأخيرة ليست سوى انعكاس لسيطرة لوبيات الفساد على القرار الاقتصادي، في ظل عجز المؤسسات عن فرض الشفافية والمحاسبة.
وانتقد العزيز استمرار وزارة الداخلية في التحكم الدقيق في كل تفاصيل المنظومة الانتخابية منذ عقود، معتبراً أن هذا التحكم يقوض مبدأ الاستقلالية ويحد من ثقة المواطنين في العملية الانتخابية برمتها.
وضرب مثلا بواقع التسجيل في اللوائح الانتخابية، حيث أشار إلى أن أكثر من ثمانية ملايين مغربي غير مسجلين، وهو رقم خطير يطرح سؤالا حول مدى شمولية العملية الانتخابية وقدرتها على تمثيل الإرادة الشعبية الحقيقية.
ودعا في هذا السياق إلى اعتماد التسجيل التلقائي في اللوائح، على غرار ما هو معمول به في أغلب الديمقراطيات المعاصرة، مؤكداً أن الأمر لا يحتاج سوى إلى إرادة سياسية قوية تقطع مع الممارسات التي تجعل من التسجيل وسيلة للتلاعب والتوجيه.
كما شدد على ضرورة تعزيز مكانة المرأة في الحياة السياسية، مذكراً بأن الدستور المغربي ينص صراحة على مبدأ المناصفة، وأن المذكرة الحزبية تقترح آليات عملية لاحترام هذا المبدأ من خلال لوائح وطنية تضمن مشاركة فعلية ووازنة للنساء في المؤسسات المنتخبة.
واعتبر أن إدماج النساء بشكل منصف ليس فقط مطلباً دستورياً، بل شرطا أساسيا لتجديد النخب وإغناء الحياة السياسية.
وعن الإجراءات العملية التي يقترحها الحزب لتخليق المشهد السياسي، كشف العزيز أن المذكرة تضمنت ثلاثة حلول مركزية تهدف إلى مواجهة ظاهرة الفساد داخل الأحزاب والانتخابات.
ومن أبرز هذه الحلول فرض عقوبات مالية صارمة على الأحزاب التي تزكي مرشحين ثبت تورطهم في قضايا فساد، وذلك عبر اقتطاع 5 في المائة من الدعم العمومي الموجه لها عن كل مسؤول منتخب صدر في حقه حكم قضائي نهائي يتعلق بالفساد.
واعتبر أن هذا الإجراء من شأنه أن يدفع الأحزاب إلى تحمل مسؤولياتها في اختيار مرشحين نزهاء وكفاءات قادرة على خدمة الصالح العام.
وفي ختام مداخلته، شدد الأمين العام على أن الإصلاح السياسي والانتخابي لم يعد ترفاً أو خياراً ثانوياً، بل أصبح ضرورة وطنية لضمان الاستقرار وبناء دولة حديثة قائمة على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وأضاف أن الرهان اليوم ليس فقط تنظيم انتخابات 2026، بل جعلها محطة مفصلية تعيد الاعتبار للإرادة الشعبية وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الثقة بين المجتمع والدولة.
ومن جهتها، أكدت فاطمة الزهراء التامني، البرلمانية عن حزب فيدرالية اليسار الديمقراطي، أن “مطلبنا إصلاح جوهري وعميق للإطار المنظم للانتخابات التشريعية لسنة 2026، بما يضمن ديمقراطية حقيقية تعكس الإرادة الشعبية”، مضيفة: “بلادنا تعيش لحظة دقيقة تتسم بالانحباس السياسي والاحتقان الاجتماعي، ولا بد من إصلاح سياسي ومؤسساتي يعيد الثقة بين المواطن والمؤسسات.”
وأوضحت التامني، في سياق الندوة الصحفية، أن “أي إصلاح تقني للمنظومة الانتخابية سيظل عديم الجدوى إذا لم تسبقه مصالحة وطنية شاملة، تبدأ بتصفية الأجواء السياسية والحقوقية”، مشددة على ضرورة “الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، وفي مقدمتهم معتقلو حراك الريف والصحفيون والنشطاء.”
وسجلت المتحدثة ذاتها أن “حماية الحريات العامة والفردية، ووقف القوانين المقيدة للحقوق، وتفعيل توصيات الإنصاف والمصالحة هي شروط أساسية لأي انتقال ديمقراطي”، مؤكدة أن “محاربة الفساد والريع وقطع الطريق أمام الإفلات من العقاب في الجرائم الاقتصادية تمثل مدخلاً لاستعادة الثقة.”
وزادت: “الاختلالات البنيوية للمنظومة الانتخابية حولت الانتخابات من آلية ديمقراطية إلى مسار تقني يفتقر إلى المصداقية”، موضحة أن “هيمنة وزارة الداخلية على الانتخابات تتعارض مع الممارسات الديمقراطية الدولية، ونطالب بهيئة مستقلة للإشراف على العملية.”
وقالت البرلمانية المغربية عن فيدرالية اليسار الديمقراطي إن “ما لا يقل عن 7.5 مليون مواطن في سن التصويت غير مسجلين في اللوائح الانتخابية، وهذا يضعف الشرعية الشعبية للمؤسسات”، معتبرة أن “انتخابات 2021 شابتها خروقات جسيمة، أبرزها شراء الأصوات على نطاق واسع وتدخل أعوان الإدارة في توجيه الناخبين.”
وشددت التامني في حديثها على أن “نمط الاقتراع الحالي يعزز نفوذ الأعيان والمال الفاسد على حساب البرامج السياسية، ويكرس الفساد الانتخابي”، مردفة: “نحن في فيدرالية اليسار الديمقراطي ملتزمون بالنضال من أجل انتخابات نزيهة تعيد الاعتبار لصوت المواطن وتربط المسؤولية بالمحاسبة”.
اترك تعليقاً