سياسة

الاشتراكي الموحد يطالب بمراجعة تمويل الأحزاب وإلغاء الوصاية الإدارية على الانتخابات

وجه جمال العسري، الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، انتقادات لاذعة إلى الطريقة التي تُدار بها العملية الانتخابية في المغرب منذ الاستقلال، معتبرا أن “السياسة الانتخابية المعمول بها لم تتغير منذ 65 سنة”، حيث ما تزال وزارة الداخلية، وفق تعبيره، “المشرف الوحيد على تنظيم الاستحقاقات، وهو أمر بات غير مقبول في زمن تطمح فيه الشعوب إلى ديمقراطية حقيقية وآليات حديثة لتدبير الانتخابات”.

وأكد العسري اليوم الاثنين خلال الندوة الصحفية التي خصصها حزب الاشتراكي الموحد لتقديم مذكرته حول الإطار القانوني للانتخابات التشريعية المقبلة، أن المغرب “متأخر بشكل واضح في هذا المجال مقارنة بدول الجوار”، مذكرا بتجربة تونس والجزائر اللتين أنشأتا هيئات مستقلة تُعنى بتنظيم الانتخابات، بعيدا عن تدخل السلطة التنفيذية.

وأضاف أن هذا النموذج يجب أن يكون مثالا يحتذى به من أجل ضمان الحياد والشفافية، وتعزيز الثقة في المؤسسات المنتخبة.

ولم يتوقف الأمين العام للاشتراكي الموحد عند حدود النقد، بل ذهب أبعد من ذلك حين اعتبر أن “جميع الانتخابات التي عرفها المغرب إلى حدود اليوم تفتقر إلى الطابع الدستوري الكامل”، مستدلا على ذلك بنسبة العزوف المرتفعة، حيث قدر عدد المغاربة الذين لم يشاركوا في التصويت بأكثر من 8 ملايين مواطن.

وفي هذا السياق، دعا القيادي بحزب “الشمعة”  إلى القطع مع “نظام الترشيح الفردي” الذي يرى أنه يضعف الحياة السياسية ويُغذي الممارسات الريعية والزبونية، مطالبا باعتماد آليات انتخابية أكثر عدالة وتمثيلية.

كما شدد العسري على ضرورة إشراك مغاربة العالم في العملية السياسية، موضحا أن تحويلاتهم المالية تشكل “المرتبة الثالثة في ميزانية الدولة”، وهو ما يفرض، حسب قوله، تمكينهم من حقوقهم السياسية كاملة، ليس فقط عبر التصويت عن بُعد، بل أيضا بإنشاء دوائر انتخابية خاصة بهم في بلدان الإقامة، بما يسمح بتمثيلهم المباشر داخل البرلمان.

من جانب آخر، تطرق العسري إلى وضعية الأشخاص في حالة إعاقة، مبرزا أن هذه الفئة ما تزال تواجه صعوبات جمة خلال المشاركة في العملية الانتخابية، سواء بسبب ضعف الولوجيات إلى مكاتب التصويت أو غياب شروط التيسير الملائمة، داعيا إلى تبني مقاربة دامجة تضمن لهم المساواة في الممارسة السياسية.

كما لم يغفل المسؤول الحزبي انتقاد أداء الإعلام العمومي، الذي قال إنه “يتعامل مع الأحزاب السياسية بمنطق التمييز والتفضيل”، في حين يفترض أن يلعب دورا محايدا في تمكين جميع القوى السياسية من إيصال صوتها إلى المواطنين بشكل متكافئ.

وفيما يتعلق بتمويل الأحزاب، طالب العسري بإعادة النظر في طريقة توزيع الدعم العمومي، مشددا على ضرورة تقسيمه إلى شقين منفصلين: الأول موجه لتغطية تكاليف الحملات الانتخابية، والثاني مخصص لتسيير الهياكل الحزبية وضمان استمرارية عملها، معتبرا أن جمع الدعمين في غلاف مالي واحد يفتح الباب أمام سوء التدبير وغياب الشفافية.

من جانبها، شددت نبيلة منيب، عضوة المكتب السياسي لحزب الاشتراكي الموحد، على أن المغاربة يتطلعون إلى تنظيم انتخابات سياسية حقيقية ونزيهة، بعيدة عن وصاية وزارة الداخلية التي، بحسب قولها، ظلت منذ الاستقلال تحتكر الكلمة الأخيرة في تدبير هذا الاستحقاق الوطني، وهو ما ساهم في فقدان الثقة في العملية الانتخابية برمتها.

وأكدت منيب أن التجارب الانتخابية السابقة أظهرت بشكل واضح هيمنة المال الفاسد، خاصة الأموال المرتبطة بتجار المخدرات ولوبيات الفساد، وهو ما يفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها ويجعل البرلمان المقبل رهينة لمصالح ضيقة بدل أن يكون مؤسسة تعكس الإرادة الشعبية الحقيقية.

وأضافت أن الانتخابات المقبلة تشكل فرصة تاريخية لإعادة بناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات، ولتأسيس دولة ديمقراطية حديثة تقوم على الشفافية، والمحاسبة، وتكافؤ الفرص، بدل تكريس المشهد الحالي الذي تسيطر فيه “الدكاكين السياسية”، على حد وصفها، وهي أحزاب لا تنشط إلا في فترات الحملات الانتخابية دون حضور فعلي في قضايا المجتمع وهموم المواطنين.

كما لفتت منيب إلى أن أي عملية انتخابية نزيهة تتطلب بالضرورة توفير أجواء من الانفتاح والحرية، وهو ما يفرض إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين، وكتاب الرأي، والصحفيين الذين يوجدون رهن الاعتقال بسبب آرائهم،  معتبرة أن هذه الخطوة ستكون بمثابة مدخل أساسي لإنجاح أي استحقاق انتخابي مقبل، وفرصة لتحقيق مصالحة وطنية شاملة تعيد اللحمة بين الدولة والمجتمع.

وشددت الأمينة العامة السابقة للحزب الاشتراكي الموحد، على أن الديمقراطية لا يمكن أن تزدهر في ظل تقييد الحريات أو تحكم الإدارة في العملية السياسية، داعية مختلف القوى الوطنية إلى الاصطفاف من أجل بناء تجربة ديمقراطية حقيقية تعكس طموحات الشعب المغربي، وتفتح المجال أمام أجيال جديدة من السياسيين القادرين على مواجهة تحديات التنمية والعدالة الاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *