جامعي: الاحتجاجات الأخيرة تعكس تراجع دور المواطن والمنتخب في خلق القيمة وتحمل المسؤولية الترابية

تشهد عدد من الأقاليم، وعلى رأسها أزيلال وبني ملال، حراكا احتجاجيا يطرح تساؤلات عميقة حول دوافعه الحقيقية. ففيما تتجه الأنظار بشكل تلقائي نحو التفسيرات المعتادة التي تربط هذه التحركات إما بالتهميش الاجتماعي أو بالحسابات السياسية الضيقة، يقدم أستاذ علم الاجتماع حوسى أزارو منظورا مغايرا يرى في هذه القراءات تبسيطا لواقع أكثر تعقيدا، ويقترح أن مفتاح الفهم لا يكمن في الظروف الآنية، بل في التحول الجوهري الذي أحدثه دستور 2011 في طبيعة العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن.
وكشف حوسى أزارو، أستاذ علم الاجتماع بجامعة السلطان مولاي سليمان، أن قراءة الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها بعض المناطق خاصة بإقليمي أزيلال وبني ملال تتطلب تجاوز الطرح الذي يحصرها بين كونها تعبيرا طبيعيا عن التهميش الاجتماعي أو نتيجة لحسابات سياسية ضيقة. وأوضح الباحث أزارو، في تحليل خص به جريدة “العمق”، أن هذه المقاربة قد تكون غير دقيقة، خاصة في ظل التحولات التي أقرها دستور 2011.
وأشار المتحدث إلى أن دستور 2011 وضع تعاقدا أساسيا وضروريا بين الدولة والمواطن، يخاطب فيه الدستور المواطن مباشرة. وأضاف أن هذا التعاقد يلزم المواطن بواجبات محددة، على رأسها إنتاج القيمة بمختلف أبعادها الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، العلمية، والترابية، مؤكدا أن هذا الدور هو من صميم مسؤولية المواطن وليس الدولة. وبيّن المصدر ذاته أن دور الدولة، وفقا لهذا العقد، يتمثل في التنظيم وتوفير الأمن وضمان إعادة توزيع الثروات وحماية الحقوق والواجبات.
واعتبر الأستاذ الجامعي أن الاحتجاجات كان يمكن أن يكون لها مبرر قبل دستور 2011، حيث لم يكن التعاقد بين الدولة والمواطن واضحا بالقدر الكافي. وتابع قائلا إنه بعد أن أصبح هذا التعاقد جليا، فإن المواطن مطالب بإنتاج الثروة والقيمة ليكون في مستوى هذا العقد مع الدولة.
وتساءل كيف يمكن للمواطن أن يحتج وهو لم يقم بدوره في إنتاج القيمة، مشيرا إلى خطاب 20 غشت 2004 “إن المواطنة التي نريدها لا ينبغي أن تختزل في مجرد التوفر الشكلي على بطاقة تعريف او جواز سفر، وانما يجب ان تجسد في الغيرة على الوطن، والاعتزاز بالانتماء اليه، والمشاركة الفاعلة في مختلف أوراش التنمية، التي فتحناها وطنية كانت أو جهوية أو محلية وتوسيع اشعاعه العالمي”، حيث الانتماء للمغرب لا يقتصر على الحصول على المقومات الإدارية فقط بل التنموية والحضارية معا، والمتجسدة في المساهمة الفردية والجماعية في إنتاج مختلف أنماط القيمة وتملك أسبابها.
وأكد أزارو أن المواطن الذي يحتج اليوم يفشل مرتين: مرة في إنتاج القيمة، ومرة أخرى في تدبير شأنه الترابي عبر المنتخبين الذين اختارهم. وأوضح أن إشراك المنتخبين في الاحتجاج، كما حدث في أزيلال، يطرح إشكالية كبرى، ذات الصلة بمسؤولية المواطنين عن اختياراتهم الانتخابية، وبدستور 2011 الذي منحهم أحقية محاسبة هؤلاء المنتخبين عن ضعف تدبيرهم و، وتقييم مساهماتهم في تقليص كل صنوف الفقر والهشاشة، والتأخر الترابي مقارنة مع جهات عدة بالمغرب.
وفيما يتعلق بوجود حسابات سياسية خلف الاحتجاجات، رأى المحلل أن ذلك إن وجد، فهو يعبر عن خطأ مركب. وشرح أن الفاعل السياسي الذي يحرك هذه الاحتجاجات يبرهن أولا على عدم فهمه وعدم استيعابه لعمق دستور 2011 والاختيارات الليبرالية للدولة المغربية التي تضع مسؤولية كبرى على عاتق الأفراد.
وأضاف أن هذا الفاعل السياسي لا يفسد فقط الفهم الصحيح للدستور، بل يفشل أيضا في تأطير المواطنين وفقا للوثيقة الأساسية للدولة، وفي الانخراط في الممارسة السياسية الصحيحة القائمة على الديمقراطية التداولية، حيث يتحمل الأفراد مسؤولياتهم الفردية والجماعية في تدبير مجالاتهم الترابية.
وخلص الجامعي أزارو إلى أن النقاش يجب أن يبتعد عن الشعبوية ولغة الأزمة، وأن يتجه نحو طرح الأسئلة الصحيحة. وشدد على ضرورة إعادة بناء الفهوم الصحيحة للعلاقة بين المواطن والدولة والمجالات الترابية، خاصة في إطار الجهوية المتقدمة التي تمنح مساحات واسعة للفعل والتنمية بمساهمة القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني.
واعتبر أن إلقاء فشل الجماعات الترابية على الدولة هو تبسيط للمشكلة، داعيا إلى مساءلة مفهوم “العمومية” في السياسات العمومية ومدى قدرتها على الامتداد لتشمل كافة المناطق وتحقيق التنمية، وهو الأمر الذي يتطلب بدوره إنتاج الثروة لتمويل هذه السياسات وليس فقط الاستكانة للوضعيات الانتظارية والإحسانية التي تضعف مبادرات المواطنين الإيجابية في صناعة وطنهم على النحو الذي يعزز كرامتهم، ويقوي مكانتهم فيه.
اترك تعليقاً