وجهة نظر

أبرز 5 مضحكات عالمية أنتجها حدث السابع من أكتوبر

يقول عبد الله العروي في كتابه “الأيديولوجيا العربية المعاصرة “إن الحدث، أي حدث، هو دائما مفاجئ ومتوقع في آن”. وقد مكنتنا أحداث ما بعد 7 أكتوبر 2023م من عيش السريالية في أبهى تجلياتها في عدة مواقف وأحداث دولية غير مسبوقة، وعدة أعاجيب ومضحكات. فرغم كل المآسي التي يعرفها العالم اليوم، وبالتحديد الطرف المعتدى عليه، فإن كل ذلك لا يمنع من رصد سلسلة من التناقضات.

🌑 1. العقوبات الأمريكية على المحكمة الجنائية الدولية

أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية في مشهد صادم للجميع، وهي التي أُنشئت أصلا -أي المحكمة- لمحاكمة الأشخاص الذين ارتكبوا تجاوزات ولم تشملهم العقوبات في دولهم الوطنية. وقالت المنظمة الحقوقية “هيومن رايتس ووتش” إن عقوبات الحكومة الأمريكية على “المحكمة الجنائية الدولية” تقوّض المساءلة الدولية عن أخطر الجرائم، وتَحرم الضحايا حول العالم من العدالة. وكان قد أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا في 6 فبراير/شباط 2025 يجيز تجميد الأصول وحظر الدخول على مسؤولي المحكمة وغيرهم ممن يدعمون عملها (هيومن رايتس ووتش، 2025م).

🌑 2. إدانة إيران للهجوم “الإسرائيلي” على قطر

قامت “إسرائيل” في مشهد غريب وغير منطقي تماما بالهجوم على دولة وسيطة في المفاوضات هي قطر، بل على الوفد المفاوض لحركة حماس في الدوحة يوم 9 شتنبر 2025م. وهذا في تصرف يدل على الغطرسة والاستمرار في خرق القوانين الدولية. لكن الأغرب في كل ذلك هو الإدانة الإيرانية للحدث، والتي تكشف عمق التناقض مع الواقع؛ فإيران قبل مدة ليست بالطويلة كانت قد هاجمت هي الأخرى قاعدة العديد الأمريكية في قطر (وكالة الأنباء القطرية، 2025م)، وخرقت بذلك الأجواء والسيادة القطرية في سبيل تحقيق هدفها الرمزي بضرب القاعدة وهو في نفس الوقت رد على استهداف المنشآت النووية الإيرانية (theguardian,2025).ليخرج وزير خارجية إيران ناسيا أو متناسيا كل ذلك بعد الهجوم “الإسرائيلي” على قطر قائلا بخطورة الموقف، بل ويضيف الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان معربا “عن تضامنه مع حكومة وشعب قطر، ومع الشعب الفلسطيني، مشددا على أن الاعتداء على الدوحة انتهاك للسيادة الوطنية وميثاق الأمم المتحدة”. (الجزيرة نت، 2025م).

🌑 3. ورطة الفيفا والويفا بين روسيا و”إسرائيل”

بدأت روسيا غزوها على أوكرانيا يوم 24 فبراير 2022م، وبعدها مباشرة بدأ الأوروبيون في حشد الدعم بكل القطاعات لأوكرانيا، بما يعني ذلك الدفاع عن حقوق الإنسان في وجه الغزاة الروس ومعاقبتهم في كل المجالات، بما في ذلك المجال الرياضي. ولم يكتمل حتى أسبوع على بداية الحرب حتى بدأت العقوبات تتساقط من كل جانب على روسيا، وضمنها قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا والاتحاد الأوروبي لكرة القدم “ويفا” بتعليقهما مشاركة الأندية والمنتخبات الروسية في أي منافسة كروية (بي بي سي، 2022م). بل الأكثر من ذلك إرغام الرياضيين الروس في مختلف الرياضات بالألعاب الأولمبية باللعب تحت علم محايد، أو إقصاؤهم من المسابقة (بي إن سبورت، 2024م). هذا دون الحديث عن الدعم غير المشروط لأوكرانيا ومحركه الاتحادين الدولي والأوروبي لكرة القدم في معظم الملاعب الأوروبية. (عكاظ، 2022م). يأتي ذلك بينما يتساءل الجميع عن غياب أي عقوبة لحدود الساعة في حق الرياضية والرياضيين “الإسرائيليين” عملا بنفس المبدأ، بل الأدهى من كل ذلك عن سر التضييق على كل ما هو فلسطيني بنفس الفضاءات، أخذا بعين الاعتبار أنهما معا -أي أوكرانيا وفلسطين- تعرضا لظلم كبير دون أي إنصاف. لكن يبقى التساؤل الأهم؛ لماذا التعامل بوجهين؟

🌑 4. دول تطالب بحل الدولتين ولا تعترف بالدولة الفلسطينية

هناك عدة دول في العالم تعيش تناقضات هائلة بين تصريحات مسؤوليها حول الموافقة التامة والكاملة على موضوع حل الدولتين، وهذا بصفته الحل السلمي والعادل والممكن تحقيقه بدون مزيد من الصراع المسلح. وهي في نفس الوقت لا تعترف -في مشهد صادم للجميع- بالدولة الفلسطينية بينما تعترف بالجانب الآخر. ويقول المحامي وأستاذ القانون فيليب ساندز Philippe Sands حول سبب ذلك “لأنه بمجرد أن تعترف بدولة فلسطينية… فإنك في الأساس تضع فلسطين وإسرائيل على قدم المساواة من حيث معاملتهما بموجب القانون الدولي” (The Economic Times, 2025).وعلى ما يبدو أن الكثير من الدول تتجنب هذا النوع من المساواة بأي شكل من الأشكال.
ولعل أبرز هاته الدول نجد الولايات المتحدة الأمريكية وهي التي كانت الراعي الأكبر لاتفاقية أسلو، وأيضا ألمانيا التي لا تزال تحمل أوزار تاريخها حسب تصريحات زعمائها، ولا تختلف إيطاليا كثيرا عن ذلك، وكذلك هولندا التي تستقبل أراضيها في “لاهاي” معظم المحاكم بما فيها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. والغريب أيضا هو بعض دول جنوب آسيا “المتقدمة” مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة.

🌑 5. تحولات هائلة في العالم

من كان يعتقد أن حدثا واحدا نفذته حركة المقاومة كفيل بأن يقلب العالم ككل بأحداث تاريخية بمعنى الكلمة؛ حملة مقاطعة شركات عالمية بتهمة المشاركة في الإبادة الجماعية، دول تفرض عقوبات على الاحتلال لأول مرة، مذكرة اعتقال دولية في حق رئيس الوزراء ووزير جيش الاحتلال، مسابقة دراجات هوائية تتوقف في إسبانيا بسبب مشاركة فريق “إسرائيلي”، مظاهرات صادمة مع فلسطين وضد الإبادة الجماعية في أكثر الدول الحليفة تقليديا للاحتلال مثل أمريكا وبريطانيا وأستراليا، قيام حرب “إسرائيلية” – إيرانية، استشهاد قادة كثر بما فيهم حسن نصر الله زعيم حزب الله وقادة حماس أبرزهم محمد الضيف واسماعيل هنية ويحيى السنوار، .. ومؤخرا -وإن كانت فقط حركة رمزية لكنها ذات أبعاد دبلوماسية مهمة- هي في انحساب غالبية الوفود من اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل إلقاء كلمة المُعتدي.

ختاما، سيظل تاريخ 7 أكتوبر 2023م شاهدا على منعطف تاريخي هائل في مسار البشرية، سواء بما حمله بعدها من إبادة جماعية مؤلمة في غزة من قبل الغُزاة، أو حتى التكهّنات المتضاربة بخصوص مستقبل القضية الفلسطينية في ظل تمسك الجميع بموقفه: المقاومة بمقاومتها، والاحتلال بوحشيته.

مراجع:

🌀 عبد الله العروي، الأيديولوجيا العربية المعاصرة، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، الدار البيضاء، 1995م، ص15.

🌀 بي بي سي، روسيا وأوكرانيا: الاتحادان الدولي والأوروبي لكرة القدم يعلقان عضوية روسيا، 2022م.

🌀 عكاظ، «كرة القدم».. تؤازر أوكرانيا، 2022م.

🌀 بي إن سبورت، أولمبياد باريس: دعوة 39 رياضياً من روسيا وبيلاروسيا للمشاركة كمحايدين، 2024م.

🌀 الموقع الرسمي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، الولايات المتحدة: ترامب يأذن بعقوبات على الجنائية الدولية، 2025م.

🌀 وكالة الأنباء القطرية، وزارة الدفاع: الدفاعات الجوية القطرية نجحت في اعتراض هجمة صاروخية استهدفت قاعدة العديد الجوية، 2025م.

🌀 الجزيرة نت، إدانات أممية ودولية لهجوم إسرائيل على قطر، 2025م.

🌀 the guardian, Iran launches missiles at US base in Qatar in retaliation for bombing of nuclear sites, 2025.

🌀 The Economic Times, Who recognizes the State of Palestine, who doesn’t, and why does it matter?, 2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *