وجهة نظر

انتكاسة المغرب الحقوقية في تعديل قانونه الجنائي

سَجل المغرب انتكاسة حقوقية جديدة في مشروع تعديل مجموعة قانونه الجنائي. وهذا الحكم لا يقلل من أهمية المستجدات والإصلاحات التي جاء بها، من تجريم الاختفاء القسري، وتهريب المهاجرين، واستفادة الغير بسوء نية من الجرائم المالية، علاوة على إدراج جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وتشديد عقوبات جرائم الاعتداء والاستغلال الجنسي، وإقرار عقوبات بديلة للعقوبات السالبة للحرية.

ومن أجل تجلية تلك الانتكاسة الحقوقية أقف عند ما يلي:

أولا: عدم المراجعة الشاملة للقانون

توجهت إرادة هيئات المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان إلى ضرورة اعتماد مراجعة شاملة للقانون الجنائي المغربي المعتمد منذ 1962، وذلك لعدة اعتبارات؛ منها إقرار دستور 2011، وما يستلزمه من ملائمة القوانين المختلفة مع ما جاء به من حقوق وحريات، علاوة على الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب بما تستلزمه من ملائمة القوانين الوطنية مع ما جاءت به من حقوق، زيادة على تطور المجتمع.

وقد تلاقت إدارة الهيئات الحقوقية مع إرادة الحكومة التي وعدت بإعمال مقاربة تشاركية ومراجعة شاملة لمنظومة العدالة وقوانينها (القانون الجنائي، قانون المسطرة الجنائية، قانون المسطرة المدنية)، انسجاما مع خلاصات الميثاق الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، وملاحظات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والتوصيات الصادرة عن الآليات الأممية لحقوق الإنسان.

لكن التقاء إرادة المجتمع المدني مع إرادة الحكومة لم يكن وحده كافيا للقيام بمراجعة شاملة للقانون، لذلك اكتفت الحكومة بمراجعة جزئية للفصول المثيرة للجدل خصوصا تلك المتعلقة بالحريات الفردية والحقوق الأساسية، وببعض الجرائم التي أثارت الكثير من الجدل داخل الساحة المغربية، وعلى رأسها جرائم الاعتداء والاستغلال الجنسي، وقضية إلغاء عقوبة الإعدام، ورفع التجريم عن الإجهاض. وأعتقد أن مبرر عدم كفاية الوقت من أجل المراجعة الشاملة للقانون الجنائي لا تقوم حجة لهذا الإخفاق.

ثانيا: الإثراء غير المشروع

وعدت الحكومة بمحاربة الفساد والاستبداد، عن طريق إخراج قوانين تشدد العقاب وتنهي الإفلات، وكان من ضمن الرهانات الأساسية لمحاربة الفساد اعتماد آلية قانونية تتعلق بالإثراء غير المشروع، بعد ممارسة عملية أكدت قصور آلية التصريح الإجباري بالممتلكات. وكانت إرادة جمعيات حماية المال العام تطالب بضرورة تجريم الإثراء غير المشروع وفرض جزاء جنائي على مقترفها وإحداث هيئة قضائية التحقيق في قضاياه.

وللأسف أن مشروع تعديل القانون الجنائي جاء بالإثراء غير المشروع، لكنه ربطه بالتصريح بالممتلكات، وهو ما قد يفرغ هذه الآلية من محتواها. فقد كانت إرادة المجتمع المدني تشديد العقاب في قضية الإثراء غير المشروع، وعدم قصر العقوبة على الموظف الذي يثبت أن ذمته المالية عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة مقارنة بمصدر دخله المشروع، وإنما تعديها إلى ذمة زوجه وأولاده القاصرين..
إن إفراغ القانون من محتواه يعني أن ننتظر سنوات أخرى من أجل العودة إلى هذا الموضوع، وسيفوت المغرب فرصة محاربة التعدي على المال العام، خصوصا أن الإحصائيات المتوفرة لحد الساعة تشير إلى أن نسبة ضئيلة جدا لا تكاد تساوي شيئا أمام مجموع الأموال العمومية المعتدى عليها هي التي استطاعت الدولة استرجاعها، ويتعلق الأمر باسترجاع الدولة 4 ملايير سنتم فقط من أصل 138 مليار سنتم في 621 قضية أمام محكمة العدل الخاصة (المعمول بها سابقا).

ولا يمكن أن نستبعد وقوف قوى الفساد والاستبداد في وجه ترسيخ آلية صارمة لمحاربة الفساد وظاهرة الإثراء غير المشروع التي يعرفها المغرب.