أخبار الساعة، مجتمع

تقرير: أطفال التوحد بالمغرب يواجهون التشخيص المتأخر والتهميش التعليمي وعبء التكاليف

دقّ تقرير وطني مشترك صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان وتحالف التوحد المغربي، ناقوس الخطر حول واقع الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد في المغرب، كاشفا عن عزلة متفاقمة تفرضها تحديات هيكلية ومالية جسيمة تحول دون الوصول الفعّال إلى خدمات التشخيص والدعم والإدماج.

سلط التقرير، الذي أحصى 2,445 حالة في ثلاث جهات نموذجية، الضوء على حقيقة مقلقة في مقدمتها التشخيص المتأخر بشكل خطير، حيث يبلغ متوسط العمر عند التشخيص 49 شهرا (أي أكثر من أربع سنوات).

ويهدر هذا التأخير الفرصة الذهبية للتدخل المبكر الذي يُعد حاسما في تحسين مستقبل الطفل المصاب، لا سيما وأن متوسط عمر الحالات المدروسة يصل إلى 10.9 سنوات مع هيمنة واضحة للذكور بنسبة 72.8%.

إلى جانب ذلك، يرسم التقرير صورة قاتمة على المستوى الاجتماعي والخدماتي، إذ كشف عن إقصاء ما يقرب من 28.6% من الأطفال المعنيين من المنظومة التعليمية، وهو رقم صادم يعمق عزلتهم ويعرقل تطور مهاراتهم.

وأمام هذا الواقع، يتجلى الاعتماد شبه الكلي على المجتمع المدني، حيث تتولى الجمعيات متابعة 53.2% من الحالات، الأمر الذي يكشف بوضوح عن ضعف كبير في قدرة القطاع العام على استيعاب وتقديم الخدمات اللازمة لهذه الفئة.

وعند التعمق في معاناة الأسر، كشفت نتائج المسح عن عقبات كبرى تحول دون حصولهم على الرعاية اللازمة، حيث يواجه الآباء ومقدمو الرعاية تحديات متراكمة، أولها التكلفة الباهظة للخدمات التي اعتبرها أكثر من 41% منهم العائق الرئيسي، وثانيها نقص المعلومات الحاد الذي أشار إليه 47.2% منهم، إلى جانب طول قوائم الانتظار للحصول على موعد لدى الأخصائيين.

وتتفاقم هذه الأزمة بفعل النقص الكبير في خدمات علاجية أساسية، وعلى رأسها العلاج الوظيفي الذي تفتقر إليه 54.3% من الحالات، وصعوبة الوصول إلى أطباء الأعصاب المؤهلين، فضلا عن غياب شبه تام للدعم الأسري الرسمي، حيث أكد 56.5% من الآباء أنهم لم يتلقوا أي دعم من هذا النوع.

ولم تتوقف التحديات عند هذا الحد، بل أبرز التقرير إشكاليات هيكلية واجتماعية عميقة تتطلب مراجعة شاملة للسياسات العمومية، وتتجلى في نقطتين أساسيتين: أولا، التأثير المدمر على الأسر، حيث تُجبر الأمهات في كثير من الأحيان على ترك وظائفهن لرعاية أطفالهن، مما يزيد من الضغط الاقتصادي والنفسي عليهن، وثانيا، غياب آفاق واضحة للبالغين المصابين بالتوحد، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة فراغ كبير بعد مرحلة الطفولة، مع انعدام مراكز التكوين المهني والفرص الملائمة في التعليم العالي وسوق العمل.

وفي مواجهة هذا الواقع المعقد، قدم التقرير خارطة طريق واضحة المعالم، داعيا إلى تبني خطة عمل وطنية متعددة القطاعات.

وتدعو هذه الخطة بشكل أساسي إلى توسيع وتعميم الخدمات المتعددة التخصصات لتشمل المراكز الصحية الأولية والمناطق النائية، بهدف ضمان وصول عادل ومنصف للجميع. كما تؤكد على ضرورة الاستثمار في التكوين والتأهيل المستمر لمهنيي الصحة والتعليم، مع دمج مبادئ تحليل السلوك التطبيقي (ABA) كنهج علاجي فعال.

وأخيرا، تشدد الخطة على أهمية إرساء آليات دعم ملموسة للأسر، تشمل تقديم المساعدة المالية المباشرة للفئات الهشة، وتخصيص ميزانية لدعم توفير مساعدي الحياة المدرسية، إلى جانب تعزيز الإطار التشريعي لضمان الإدماج الكامل للأطفال في المدارس دون قيد أو شرط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *