المغرب يحدد 2040 موعدا للتخلي النهائي عن الفحم في إنتاج الكهرباء
في تحول استراتيجي يعزز ريادته الإقليمية في مجال الانتقال الطاقي، حسم المغرب توجهه نحو التخلص التدريجي من الفحم في توليد الكهرباء، معلنا لأول مرة عن أفق زمني واضح لإنهاء الاعتماد على هذا المصدر الملوث بحلول سنة 2040.
ويأتي هذا الالتزام التاريخي، الذي يربط سرعة التنفيذ بالحصول على تمويلات دولية للمناخ، ليرسخ مسار المملكة نحو مستقبل طاقي مستدام وأكثر سيادة.
الإعلان جاء عبر بيان صادر عن تحالف “Powering Past Coal Alliance” (PPCA)، وهو تجمع دولي يهدف إلى تسريع التخلص من الفحم، والذي انضم إليه المغرب رسميا سنة 2023.
وأوضح التحالف أن المملكة قدمت التزاما مناخيا محدثا يتضمن مسارين؛ مسار مشروط يهدف إلى إنهاء استخدام الفحم بحلول 2040 في حال توفر الدعم المالي والتقني الدولي، ومسار غير مشروط يضمن التخلص من الفحم خلال عقد الأربعينيات من هذا القرن حتى في غياب الدعم الخارجي.
هذا التوجه لا يمثل مجرد قرار بيئي، بل هو جزء من رؤية اقتصادية واجتماعية أوسع. فمن خلال التخلي عن الفحم، يهدف المغرب إلى تسريع وتيرة الاستثمار في مشاريع الغاز الطبيعي كوقود انتقالي، والتوسع الهائل في الطاقات المتجددة، مما سيؤدي إلى تقليص كبير في الانبعاثات الكربونية وتعزيز سيادته الطاقية عبر تقليل الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري.
وفي تصريح رسمي ضمن بيان التحالف، أكدت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، أن المغرب “أوقف التخطيط لأي محطات فحم جديدة”، مشددة على أن “التخلص التدريجي من الفحم، جنبا إلى جنب مع التوسع السريع في الطاقات النظيفة، سيعزز أمننا الطاقي ويخلق نماذج تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة ومبتكرة”.
وتُظهر الأرقام الرسمية أن هذا التحول قد بدأ بالفعل، حيث تراجعت حصة الفحم في مزيج الكهرباء الوطني من حوالي 70% سنة 2022 إلى 59.3% في عام 2024، في مؤشر واضح على بدء تنفيذ سياسات الإحلال الطاقي.
وفي المقابل، يواصل المغرب المضي قدما في خطته الطموحة لرفع حصة الطاقات المتجددة إلى 52% من إجمالي القدرة الكهربائية المنشأة بحلول عام 2030، مقارنة بنسبة 45% المسجلة حاليا.
ولتحقيق هذا الهدف، تعمل المملكة على تطوير مشاريع جديدة للطاقة النظيفة بطاقة إجمالية تصل إلى 15 جيغاواط في أفق 2030، مع إيلاء أهمية خاصة لتقوية شبكات نقل الكهرباء وتطوير حلول مبتكرة لتخزين الطاقة، لضمان استقرار الشبكة وتكامل المصادر المتقطعة.
ويأتي الالتزام المغربي في سياق دولي يشهد تراجعا مطردا لدور الفحم كوقود أساسي. فبحسب التقارير الدولية، تجاوز إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة عالميا لأول مرة إنتاج الفحم خلال سنة 2025، كما استمر تقلص المشاريع الجديدة المعتمدة على الفحم منذ توقيع اتفاق باريس للمناخ سنة 2015.
وبهذا التوجه الحاسم، يواصل المغرب تثبيت موقعه كأحد أبرز الفاعلين في التحول الطاقي على مستوى المنطقة والعالم، معتمدا على رؤية طويلة المدى لا تهدف فقط إلى تقليص الانبعاثات، بل أيضا إلى خفض كلفة الإنتاج الطاقي، وجذب استثمارات نوعية، وتعزيز مكانة المملكة كمنصة إقليمية رائدة لتصدير الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الخضراء.



اترك تعليقاً