وجهة نظر

أزمة البطالة في المغرب وسياسة الدولة

مما لا شك فيه أن مشكل البطالة، من المشاكل التي تواجه أي مجتمع من المجتمعات،وخاصة الدول النامية ومنها المغرب.و تولد معها الآفات و الأوجاع و الداءات و الأمراض الاجتماعية، وهي تعبر عن عجز في البنى التحتية ،و تراجع في الأداء الاقتصادي. نتيجة لتراجع دور الدولة في التنمية ، و الضعف الذي ذب تدريجيا في أوصال القطاع العمومي، وما نجم عن ذلك من تراجع في مستوى الإستثمار العمومي . و إعتمادها برامج الخصخصة ،بهدف التغير و التكيف قد ادى الى أثار سلبية عديدة منها تزايد في أعداد العاطلين عن العمل في المملكة، و الذي يمثل ضوء أحمر ينذر بمشكلات خطيرة متزايدة ، بل أن هذه الزيادة تهدد الإستقرار الداخلي.

وتعتبر مشكلة البطالة من المشاكل المعقدة، التي يعاني منها الاقتصاد المغربي، الذي سيحرم من طاقات بشرية تصنف ضمن الطاقة المعطلة ، و الذي من شأنه أن يكلف الدولة ، اعباء تتمثل في الزيادة الاستهلاك من قبل الفئة المعطلة ،و إنخفاض الإنتاج الوطني .

فتهميش جزء مهم من قوة العمل المغربية، ووضعها خارج العملية الإقتصادية فيه تبديد لأحد مصادر الثروة في المغرب، و يمثل هذا الهدر ضياع الإنتاج و الدخل الذي يمكن ان يتحقق فيما لو تم إستغلال هذه الإمكانيات ، فضلا عن تراجع أو تآكل في قيمة الرأس مال البشري. مما ينجم عن ذلك أثار إقتصادية وخيمة ، إضافة إلى أن تفاقم حالة البطالة بين الشباب بالخصوص، قد يؤدي كذلك إلى نتائج إجتماعية خطيرة. تتجلى في تزايد الأوضاع الشاذة المتمثلة بتعاطي المخدرات و السرقة و الإغتصاب و جرائم القتل . و انعدام القيم و الأخلاق. بحيث يتحول المجتمع في بعضه إلى بؤرة توثر للممارسات المسلكية الهابطة . و السلوك الأخلاقي المنحدر.

إن هذه المشكلات سيترتب على بعضها أمراض إجتماعية و نفسية خطيرة و ضعف الإنتماء للبلد، مما يسبب في انعدام وضعف شعور الوطنية عند المواطن اتجاه وطنه. لينتهي الأمر بالعنف و الإرهاب. و خصوصا أن الشباب العاطل كاره للمجتمع ، مما سيؤدي إلى حالة عدم الإستقرارالسياسي للبلدان التي تتفاقم فيها ظاهرة البطالة، لأن الإستقرار السياسي مرهون بقدرة الدولة على خلق فرض الشغل.

لعل من بين الأسباب الموضوعية التي أدت إلى إرتفاع نسبة البطالة في المغرب ، محدودية الميزانية العامة و ثقل المديونية ، التي تمتص بشكل مباشر قسطا هائلا من موارد الدولة لأداء خدمة الدين .وعجز الموارد المتاحة عن الوفاء بهذه الالتزامات . ان ضعف الموارد الذاتية لدولة يدل على عجز الدولة عن القيام بدور تنموي ديناميكي من شأنه ضمان استخدام كامل و امثل للموارد ، و عدم قدرتها على الترفيع من نسبة إستخلاصات الأداءات من عدة أطراف و قطاعات لأسباب تتعلق بضعف الإمكانيات البشرية. و خاصة غياب الإرادة السياسية.

أما سبب الثاني فيتمثل في إستفحال و إتساع هوة الإختلالات الهيكلية لإقتصاد البلاد ، مما يستدعي الشروع في سلسلة من الإصلاحات غالبا ما تفرضها مجموعة البنك العالمي، في إشرافها على النظامين النقدي و المالي الدوليين ،من خلال تدخلهم في تمويل التنمية و إعداد و تمويل برامج الإصلاح و إنعاش الإقتصاد من جديد. في إطار سياسة إنكماشية تركز على إدارة الطلب الكلي الشيء الذي سينتج عنه بضرورة تراجع حجم الاستثمارات العمومية ، من خلال تراجع دور الدولة في النشاط الإقتصادي و تحللها تدرجيا من الإلتزامات الإجتماعية ،و من و ظائفها المؤثرة في خلق مناصب الشغل. و إعطاء القطاع الخاص الفرصة للحلول محل القطاع العام.
ويعود ارتفاع نسبة البطالة بالمغرب إلى تبني هذا الأخير لبرامج التعديل الهيكلي ، الذي بموجبه تعمل على تطبيق نظام الخصخصة ، و التي تستهدف القضاء على فائض الطلب المحلي ، على نحو الذي يؤدي إلى خفض العجز بميزان المدفوعات و حصره في حدود مناسبة ، يمكن تمويلها بتدفقات طوعية لرأس مال الأجنبي . وقد ساهم هذا النظام في تزايد معدلات نمو البطالة إذ بادرت الشركات التي تم خصخصتها، إلى تسريح عدد كبير من موظفيها لوجود فائض في القوة العاملة في هذه الشركات ، بسبب نقص الخبرة و غياب المؤهلات، مما إضطرها لاحقا إلى تجميد أنشطتها و تسريح بقية العاملين لديها.

يأتي تنازل الدولة عن المؤسسات العمومية في إطار تعميق الإصلاحات الاقتصادية، التي شرعت فيها منذ 1956. حيث عمل المغرب على تأسيس اللبنات الأولى للإقتصاد الوطني، لكن جل السياسات المنتجة كانت مستوردة لا تتناسب و البيئة المغربية ، ( من تجربة تعاضد في الستينات إلى انتهاج اللبرالية و الخوصصة في السبعينات إلا الآن)، مما جعل الإقتصاد المغربي يشهد العديد من الأزمات و الإعوججات ،و في بعض الأحيان العديد من تناقضات.اذ بدأت حركة تحول في شكل الإنتاجي المسيطر الذي تقوده الدولة . بداية من استقلالية المؤسسات الممتدة إلى نهاية الثمانينات من القرن الماضي، و إنتهاءا ببرامج التعديل الهيكلي ، التي تدعو لها العولمة و الياتها و التي أسهمت بشكل مباشر في تقليص فرص التوظيف بالقطاع العام، فضلا عن تسريح معظم من هم داخل هذا القطاع . خصوصا وأن جل الوظائف كان يوفرها القطاع العام على الأقل حالة المغرب.

إلا أنه منذ مطلع الثمانينات . دخل المغرب في نفق مسدود بخصوص قضية التشغيل. ظهرت بذلك عدة إختلالات نتيجة إعتماد الدولة على عنصر واحد لتصدير ، فانخفض النشاط التنموي و تقلصت مداخيل البلاد. و تمثل ذلك انقلاب الوزن النسبي للإدارة العمومية و القطاع العام . و عجزها عن إحداث مناصب جديدة ، نظرا لتفاقم المشاكل لصالح القطاع الخاص الوطني و الاجنبي ، المستند على مبادئ و أفكارو آلية سوق و الإنفتاح الإقتصادي و التي تم نشرها من خلال العديد من الاليات تتمثل بمؤسستي برتون وودز و منظمة التجارة العالمية، و الشركات المتعددة الجنسية. و التي عن طريقها و صفاتها و بنودها و احتياجاتها. تم نشر و توطين افكار العولمة . و التي بدأت سيطرتها تتوسع إلى سائر التشكيلات الاجتماعية الأخرى للإنتاج و التشغيل.

إن هذه الإصلاحات الإقتصادية أدت إلى اضطراب كبير في الخريطة العامة لشغل في المغرب ، و ساهمت في تفاقم البطالة ،خاصة خلال التسعينات.إذ منح اغلبية الشعب المغربي ثقته لأحزاب الكتلة الديمقراطية سنة 1997، وعقد امالا كبيرة بأن تدشن حكومة التناوب عهدا و مناخا جديدين، و تحل مشاكله أو جزء منها على الأقل ، عبر انتهاجها لإستراتيجية إنمائية ، تضع نصب اعينها قضية التشغيل كأولوية وطنية بامتياز و تعني هذه القضية كل الدوائر الاقتصادية و الاجتماعية.

وعلى رغم أن الإقتصاد المغربي قد شهد تعافيا في عام 2015، عقب الأداء الإقتصادي المتباين الذي شهده عام 2014. بفضل النمو المتواصل للأنشطة الإقتصادية غير الفلاحية “الزراعية” و الفلاحية ، غير أن باقي القطاعات الاخرى غير الزراعية لم تستطع جر الاقتصاد معها إلى نمو مستديم، فيما سجل معدل التضخم اقل من 2 في المئة ، مما يعكس الإنكماش التدريجي لسياسات النقدية و انخفض معدل البطالة إلى 9.7 في المئة ، و على الرغم من ذلك لا تزال معدلات البطالة مرتفعة. فالكل يعرف أن أهم مؤشر في اتجاه الطلب على العمل هو نمو الإنتاج . و بالتالي فإن تباطؤ النمو الإقتصادي يعني إرتفاع في معدلات البطالة. و هكذا فإن الوضع في المغرب بصورة عامة ، و مند التسعينات يلخص في ضعف أداء الإنتاج مقارنة بنمو سريع في القوة العاملة. كما تبين الاحصائيات ، أن النمو في القوة العاملة قد فاق الزيادة التي طرأت على فرص التوظيف بالمملكة .حيث فقد الإقتصاد المغربي حوالى 13 الف منصب عمل بين عامي 2015-2016. بمعدلات مرتفعة على نحو غير متناسب بين الشباب في المناطق الحضرية، مما يعني زيادة حجم السكان النشيطين إقتصاديا أي زيادة العرض من القوى العاملة، إلا ان هذه الزيادة في العرض من القوى العاملة لم يقابلها ، زيادة مناسبة في حجم طلب على الأيدي العاملة بسبب الظروف سياسية و الإقتصادية و الأمنية.

في ظل هذه الوظعية تحاول الحكومة المغربية اتخاد عدد من الخطوات لمواجهة مشكلة البطالة، منها مشروع المغادرة الطوعية في الوظيفة العمومية ، و الهدف منه هو التحكم في كتلة الاجور ، حيث تمنح الدولة لعدد من الموظفين تعويضات مالية مقابل ترك وظائفهم في القطاع العام . و كذا تمكين القطاع الخاص من التجربة المهنية المتميزة و المهمة لموظفي الدولة ، من خلال تشجيع الحكومة لمؤسسات التمويل المشروعات الصغيرة بنسبة فوائد ضعيفة. كذالك الخطة الوطنية لمكافحة الفقر، و التي بموجبها تم انشاء صندوق الاجتماعي لتمويل “المبادرة الوطنية لتنمية البشرية” ، كمشروع تنموي يهدف إلى تقليل معدل البطالة و تحسين مستوى الدخل و بالتالي الحد من الفقر ، من خلال برامج و مخططات موجهة في مجالات متعددة ، تحدث تغيرا في المجتمع لتحسين ظروفه و ظروف افراده ، من خلال مواجهة مشكلات المجتمع و إزالة العقبات ، و تحقيق الاستغلال الأمثل للإمكانيات و الطاقات ، مما يحقق التقدم و نمو للمجتمع و الرفاهية و السعادة للأفراد. و إنتهاج الحكومة لإستراتيجية و طنية تهدف إلى التوفر على رؤية ووضع إطار تنسيقي لمختلف المتدخلين و الفاعلين المعنين بالتشغيل و إدماج أهداف التشغيل ضمن السياسات الإقتصادية . و ملائمة الإطار القانوني المتعلق بسوق الشغل و بعلاقات الشغل . وإذا كانت أثار هذه المجهودات تترجم اليوم على المستوى نسب النمو، فإنه يحث في نفس الوقت على مواصلة نهج الإصلاحات الهيكلية و القطاعية ، لتحسين مناخ الأعمال و إنعاش الإستثمار و إستدراك الخصاص الإجتماعي و تحسين الحكامة الإقتصادية ، تأمينا لإستمرار مسار التقدم و التنمية.

و اليوم شبح البطالة يلقي بضلاله المخيفة على الهيئات و الجهات المسؤولة عن تشغيل شباب العاطل، خاصة حاملي الشواهد الجامعية العليا بالمغرب، اذ أضحت عطالتهم تشهد منحى تصاعديا مماثلا للمنحى الذي تعرفه بقية الفئات الأخرى من حاملى الشهادات ، و الذين تصل نسبتهم إلى 31.6 في المئة ، و ما ينبغي ان ننبه عليه و نأكد عليه، أن الشهادة أو الدبلوم الذي أصبح اليوم يستهان و يستهتر به في المؤسسات الإدارية، يعتبر بمثابة نقطة ثمينة سجلها الحاصل على الدبلوم في مرمى الجهات المسؤولة و المعنية بالأمر، و على هذا الأساس فالديبلوم حجة له و عليهم في ان واحد.

و أبان مؤخرا التقرير المحلي الصادر عن اللجنة الدائمة للمجلس الإقتصادي و الإجتماعي المكلفة بشؤون التكوين و التشغيل و السياسات القطاعية بشأن تشغيل الشباب، أن نسبة بطالة حاملي شواهد العليا بالمغرب تمثل 41 في المئة، و هو ما يتطلب التفكير في بدائل و خيارات جديدة لسياسات شمولية لدعم التشغيل و إدماج الشباب المؤهل. و تشخيص وضعية سوق الشغل في المغرب، يبرز عددا من التحديات و الإكراهات التي تواجه نمو التشغل. و المتمثلة في عدم إنسجام مخرجات التعليم مع سوق الشغل، مما أصبح يتطلب إصلاح هذه المنظومة لأن الجامعات ، لا تنتج إلا العاطلين عن العمل . خاصة الذين لا يتقنون اللغات الأجنبية، فهي المفتاح السري لولوج سوق الشغل و هو ما عبر عنه عبد الإله بن كيران ، رئيس الحكومة ، عندما طرح في أحد لقاءاته الصحفية ، أن “الدبلوم” أو الشهادة ، لا يعني الحصول على الوظيفة”. كما تلعب معدلات النمو السكاني و فرص العمل المتاحة دورا بارزا في هذه البطالة، و التي أحدثت خللا واضحا في الداء، من خلال عدم توازن بين العرض و الطلب . بالإضافة الى ضعف محتوى النمو الإقتصادي . كلها أدت إلى التغيرات و التحولات في مجال التوظيف و تنظيم العمل و اداء أسواق العمل.

مما يستدعي تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية، خصوصا في البلدان النامية بضمنها المغرب، من خلال وضع استراتيجية تنموية طويلة المدى ، تكون محل إجماع من القوى الإقتصادية و الإجتماعية و الوطنية وتعكس امانيها في التقدم و الرفاه ، مع ما يتطلب ذلك زيادة الإنفاق العام في جوانب تقديم الخدمات الإقتصادية و الإجتماعية . و ليس انسحاب الدولة من هذه الجوانب و تخفيض النفقات عليها و فقا للعولمة و آلياتها. لأن ذلك سيؤدي بالنتيجة إلى العديد من المشكلات الاقتصادية و الاجتماعية في مقدمتها ، ازدياد البطالة و تفاقمها . و كذا إحداث تغيرات أساسية، في مناهج التربية و تعليم العالي، لخلق حالة من التوافق بين إعداد الخرجين و متطلبات سوق العمل. و تطبيق القانون المبني على مبدأ المسألة و المحاسبة ، كون قضية البطالة مرتبطة اساسا بسياسة الدولة بصورة عامة ، تلك السياسات المبنية على الإمكانيات الإقتصادية من جهة و طبيعة النظام السياسي و ما يرتبط بذلك من أشكال الفساد الإداري و سياسي. بالإضافة إلى إعتماد مقاربة إقتصادية تعتمد عدة آليات تحسين المناخ الإستثماري لتشجيع الإستثمارات المحلية و الأجنبية ، لخلق فرص العمل للخرجين، و حسب مؤهلاتهم العملية ، ووضع نظام الحوافز يسهم في جذب المستثمرين و تأهيل القضايا و الملفات الإجتماعية اليومية للعمال و الجماهير الشعبية الكادحة كمنتجين و كمستهلكين و بقضايا مثل الصحة و التعليم و النقل و طبعا الشغل…