من العمق

لغروس يكتب: الصحافة الإلكترونية بالمغرب… إكراهات وتحديات

لقد كان عقد من الزمن كافيا لتفرض الصحافة الإلكترونية نفسها بقوة في المغرب، بشكل عززت معه دور الصحافة عموما كسلطة رابعة ورافعة للديمقراطية، مستفيدة من التزاوج الذي حصل بين ثورة التكنولوجيا الرقمية للحاسوب وتكنولوجيا الاتصال، ومن وسائل تلك الثورة لتتجاوز الإعلام التقليدي بسنوات ضوئية، بل قدمت خدمات اجتمع فيها المكتوب بالسمعي والبصري، فضلا عن كونها أضحت فاعلا أساسيا في توجيه وصناعة الرأي العام لا يمكن القفز عليه بفعل خصائص عدة، منها السرعة في نقل الخبر والتفاعلية بمعنى التعبير والإشراك والتكلفة المنخفضة للولوج، دون إغفال تحول عام في تعاطي عموم الناس وخاصة منهم شريحة الشباب مع وسائل الاتصال الحديثة، كما فتحت الصحافة الإلكترونية هامشا كبيرا لحرية التعبير.

هذا الواقع سيدفع الدولة للتحرك لتثبيت واقع، والاعتراف قانونيا بالصحافة الإلكترونية من خلال تخصيص باب كامل لها في مشروع القانون 88.13 وتمكينها من شروط الممارسة الصحفية بالإضافة إلى إدماجها في منظومة الدعم العمومي. على هذا المستوى تفيد الإحصاءات الرسمية لسنة 2015 أن عدد المواقع الإلكترونية الإخبارية التي حصلت على وصولات الإيداع القانونية تجاوزت 160 موقعا إخباريا وأنه خلال السنة نفسها، تم تسليم أزيد من 100 بطاقة مهنية لصحافيين يشتغلون في الصحافة الإلكترونية، هذا دون احتساب المواقع الإخبارية التي لم تسو وضعيتها القانونية بعد والتي تجاوزت الـ500 موقع سنة 2012.

لا شك أن الارتفاع الكبير سيكون هو مسار التطور الكمي للصحافة الإلكترونية بالمغرب حيث يمكن الحديث في نهاية 2016 عن قرابة 1000 موقع إخباري وعن حوالي 300 موقع قانوني، دون الحديث عن آلاف المواقع ذات الصبغة التجارية أو الخدماتية أو المؤسساتية، وهو تطور عام يتجه نحوه سكان الكرة الأرضية بوتيرة سريعة وبشكل سيصبح التعاطي مع وسائل الاتصال الرقمي المختلفة حالة عامة لن تشمل الحصول على الخبر فقط، بل ستتعداه –كما بدت مؤشرات ذلك – إلى مختلف الاستعمالات الإدارية والاستهلاكية والتجارية فضلا عن التواصلية.

في هذا السياق، يشير تقرير صادر عن شركة “إريكسون” أن عدد الاشتراكات في خدمة الاتصالات الهاتفية تجاوز مع بداية العام الماضي 7 مليارات، وأنه سيصل بحلول سنة 2020 إلى 9 مليارات، فيما يرتقب أن يبلغ سكان الكرة الأرضية في العام ذاته 7.7 مليارات، مما يعني أن العالم يتجه نحوى “الإقامة” في الهواتف الذكية.

ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى أن عدد المغاربة المشتركين في الإنترنيت مع نهاية 2015 بلغ 14 مليون مشترك (أي قرابة نصف السكان)، بزيادة قاربت 5 ملايين مشترك جديد مقارنة مع 2014، وهي نسب في طريقها للارتفاع يوما عن يوم، كما يتوفر المغاربة على 11 مليون حساب على موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” وقرابة 100 ألف على “التويتر”.

إن التطور الهائل للصحافة الإلكترونية بالمغرب طرح أمامها العديد من التحديات التي تتطلب جهود أكثر من متدخل لكسبها، كما وجدت هذه الصحافة نفسها أمام العديد من المشاكل والإكراهات التي تصارع الصحافة الجادة اليوم لتجاوزها، وتتوزع تحديات وإكراهات الصحافة الإلكترونية بين جزء كبير تتحمل فيه هي المسؤولية مما يستوجب عليها القيام بمسؤولياتها وواجبها للنهوض بمهنيتها ونموذجها الاقتصادي وبأخلاقيات المهنة وتطوير المضمون… وجزء آخر يهم المشاكل التي تتخبط فيها هذه الصحافة، وهي من اختصاص السلطة المنظمة، وأخرى تهم نقائص بدأت تظهر مع بداية تنزيل بعض الإصلاحات من قبيل توزيع الدعم العمومي المخصص لها وبيروقراطية بعض الإجراءات المعرقلة لعملها.

الإكراهات

تواجه الصحافة الإلكترونية العديد من المشاكل، جزء منها ليس فيه استثناء مع شقيقتها الورقية من قبيل ما يتعرض له الصحفيون من مضايقات من طرف السلطات أثناء مزاولة المهنة، وهي المشكلة التي لم تجد لها حلا ناجعا حتى اليوم رغم بعض المبادرات، ومنها مشكلة شح المعلومة الرسمية لغياب قانون ينظم حق المواطن عموما والصحفيين خصوصا في الحصول على المعلومة دون تجاهل مقرف ولا استخفاف مستفز ولا تكتم ينتهك الحق في المعلومة، فباستثناء بعض المصالح التي لها تواصل مؤسساتي محترم، تظل الحالة العامة هي غياب المعلومة وضعف السياسات التواصلية.

أما بخصوص المشاكل التي تخص الصحافة الرقمية أو الإلكترونية، فنجد بداية الضعف التقني الذي يمس أساس العمل الإلكتروني وهي مشكلة سببها من جهة الضعف التكنولوجي والاتصالي بالبلد عامة، ومن جهة أخرى الغلاء الفاحش لأثمان العديد من المعدات التقنية فضلا عن مشاكل التوطين والاستضافة.

ضمن مشاكل الصحافة الإلكترونية أيضا هناك صعوبة حمايــة حقــوق الملكيــة الفكريــة للمقـال، بحيث يشكل موضوع سرقة المقالات بصيغة “كوبي كولي” معضلة حقيقية نأمل أن يضع لها حدا قانون الصحافة والنشر المقبل، والغريب أن الأمر لا يقف عند المواقع الهاوية بل يتعداه إلى مواقع إخبارية تزعم المهنية.

من المشاكل كذلك موضوع التصوير السمعي البصري بالنسبة للصحافة الإلكترونية والذي يشكل جزء من هويتها فضلا عن كونه وسيلة إخبارية، حيث تعاني المنابر الإخبارية الإلكترونية في موضوع التصوير بحيث يمكن إيقافها من طرف أي رجل سلطة بمبرر غياب الترخيص، والحال أن القناعة المراهن عليها في هذه النقطة هو الاستغناء التام عن التصوير بالرخصة وتبقى أي مخالفة للقانون المغربي تضع صاحبها تحت طائلة المتابعة والسلام.

الذي يقع اليوم هو منح رخصة تتجدد كل ثلاثة أشهر وهو أمر متعب بسبب بيروقراطيته وقصر مدة الرخصة –مشروع القانون يقترح جعل المدة سنة-، والغريب في الأمر حصر منح الرخصة لمن يحمل بطاقة الصحافة فقط، مع العلم أن وظيفة التصوير يقوم بها تقنيون ومصورون أساسا.

الدعم المادي للصحافة الإلكترونية الذي شرع في أجرأته تعد خطوة طموحة، لكن شابته نقائص عدة همت فلسفته ومعاييره، أولا أن الدعم لم يقم على فكرة التأهيل التي تقضي بدعم المقاولات الصغرى مما جعله تنطبق عليه مقولة “زيدوا الشحمة فظهر المعلوف”، وهو ما تؤكده الدفعة الأولى من الدعم، فكيف يعقل المساواة بين مواقع إخبارية وراءها رجالات نافذون في الدولة أو رجال أعمال من الدرجة الأولى مع مواقع تصارع من أجل البقاء وما تزال تفكر بدل المرة عشرة في إضافة حاسوب جديد أو آلة تصوير؟ إنها مساواة تضرب في العمق مبدأ العدل الذي أسمى من المساواة التي تبدي التكافؤ وتستبطن الإقصاء.

هذا فضلا عن أسئلة عدة أشار لها “الكتاب الأبيض للصحافة الإلكترونية” والتي تهم “كيفية تناســب الدعــم مــع مكافــأة المجهــود التحريــري، أو التجــاري أو الصناعــي الناتــج عــن إعــادة الهيكلــة، كمــا يرتبــط أيضــا بتحــدي الاســتجابة لمنطــق الابتــكار خاصــة فــي مجــال الصحافــة الإلكترونيـة التـي هـي فـي أمـس الحاجـة إلـى البحـث والتطويــر، حتــى لا تســتفيد مــن الدعــم مؤسسـات صحفيـة يظـل أداؤهـا مـن حيـث المحتـوى رديئـا، وحتــى لا يــؤدي هــذا الدعــم، إلــى خلــق إعـلام غيـر مواكـب، همّـه الأسـاس الحصـول علـى مداخيـل إضافيـة مـن الدولـة”.

التحديات

يأتي تحدي أخلاقيات المهنة على رأس التحديات التي على الصحافة الإلكترونية أن تكسبها اليوم قبل الغد، وأن لا تقبل ولا تتسامح بالإساءة لسمعتها بسبب عدم احترام أخلاقيات مهنة الصحافة كما هو متعارف عليها عالميا، فلا يسمح بنشر خبر دون تثبت، ولابد من البحث عن الحقيقة والتوازن والموضوعية، لأن واقع الصحافة الإلكترونية للأسف الشديد اليوم –إلا ما رحم ربي- يتسم بهشاشة بيّنة على مستوى أخلاقيات المهنة خاصة أمام تطفل العديد من غير ذوي التكوين والاختصاص على المجال، وأيضا بفعل انتشار المواقع الهاوية، حيث إنه باستثناء بعض التجارب التي يقوم عليها أساسا صحافيون نازحون من الصحافة الورقية إلى الإلكترونية مما ساهم في الرقي بالمهنة مضمونا وتناولا، فإن واقع أخلاقيات المهنة في الصحافة الإلكترونية لا يسر بالمرة، خاصة أمام المواقع المعلومة التي تتخذ من الافتراء واستهداف الخصوصيات الحميمية والمعطيات الشخصية والتشهير مذهبا لها.

إلى جانب التحدي الأول يبرز تحد ثان، وهو المتعلق بتطوير المضمون مما يتطلب تنويع العرض والعناية باللغة وإعمال سياسة القرب والتفاعلية، فالعديد من المواقع الإخبارية لم تستطع تثبيت تحولها من الورقي للإلكتروني من خلال الإبقاء على العرض نفسه وإغفال عنصر التفاعلية الذي هو أحد أبرز مميزات الصحافة الإلكترونية، كما أنه من أبرز عناصر تفوقها على الصحافة الورقية، ويرافق التحديين الأول والثاني تحد ثالث هو تحديد التكوين والتكوين المستمر، حيث يبدو الضعف على هذا المستوى بيّنا، اللهم بعض المبادرات، كما يعمق من هذه الحاجة كون الوالجين لمهنة المتاعب من بوابة الرقمي لا يتوفرون في المجمل على سبق تكوين، وهو ما تناولته الدراسة الميدانية حول الصحافة الإلكترونية التي أعدتها الرابطة المغربية للصحافة الإلكترونية، والتي أشارت إلى أن عدد الصحفيين الذين لا تتجاوزتجربتهم في مجال الصحافة مدة 5 سنوات، تصل إلى 79.86 %وأن نسبة الصحفيين غير المتفرغين كليا للمهنة في الصحافة الإلكترونية يتجاوز 60 بالمائة.

في مستوى متواز يقفز تحديان آخران للواجهة هما التحدي التكنولوجي وتحدي النموذج الاقتصادي للمقاولة الصحفية الرقمية، حيث يتطلب كسب التحدي التكنولوجي إتاحة مساحة غير محدودة للخبر واستيعاب حجم الزوار عبر توفير خبرة وقاعدة تقنية مستضيفة للموقع تتسم بالنجاعة بما يطور المحتوى الرقمي الإخباري. وتنبغي الإشارة إلى أنه ما لم يربح التحدي التكنولوجي فإن ذلك سيضعف من القدرة التنافسية للصحافة الرقمية بالمغرب، مما سيجعلها في الذيل وتابعة لمجموعات دولية عولمية متطورة، وهنا يطرح بحدة سؤال السيادة الإلكترونية إن صح هذا التعبير.

ثم يأتي التحدي المادي أو الاقتصادي، حيث يؤكد الواقع أن العديد من المقاولات تشتغل بعيدا عن منطق المقاولة، وهو ما ينعكس سلبا على تطور المقاولة وقدرتها على الصمود في مجال لم يعد يقبل الهواية، وهو تحد يتقاطع بحدة مع مشكلة دعم الصحافة الإلكترونية أمام جبن الرأسمال المغربي تجاه المجال الرقمي، حيث إن الاستثمار في مجال الصحافة الإلكترونية ليس ضمن أولويات رجال الأعمال وربما تقليدانية العقلية ما تزال تدفعه للصحف المكتوبة والتلفزيون والإذاعة أكثر من غيرها، فضلا عن الاختلالات التي تسم مجال الإشهار من الاحتكار وسوء التوزيع إلى عدم خضوعه للمعيرة وتكافؤ الفرص، فضلا عن إعطاء الامتياز للصحافة الفرنكفونية على حساب الناطقة بالعربية، ينضاف لهذا كله عدم استفادة الصحافة الإلكترونية حتى اليوم من الإعلانات الإدارية وعدد من شروط تمكينها من ممارسة المهنة.

إن الرهان على التطور النوعي للصحافة الإلكترونية بعدما حققته من تطور كمي قابل للارتفاع، يبقى رهينا بتضافر جهود صادقة لقبيلة الصحافة الإلكترونية أولا ومختلف المتدخلين من السلطات العمومية ذات الصلة بالمجال، وذلك بما يعزز دور الصحافة الرقمية ويجعلها مواكبة ورافعة للانتقال الديمقراطي الذي يراهن الغيورون من أبناء الوطن وقواه الحية على كسبه بكل جدارة واستحقاق.

 

عن مجلة الفرقان

مراجع للتوسع 

الكتاب الأبيض لتأهيل الصحافة الإلكترونية

“الصحافة الإلكترونية في المغرب دراسة ميدانية” الرابطة المغربية للصحافة الإلكترونية،

منشورات الإيسيسكو

التقرير السنوي حول جهود النهوض بحرية الصحافة 2015