وجهة نظر

هكذا تريد هولندا ضبط “إسلامها” دون خرق الدستور

في الكثير من الدول الإسلامية كما في هولندا وغيرها من الدول الغربية التي تعرف تواجدا مكثفا للمسلمين، يدور النقاش على أعلى المستويات حول شكل الإسلام الذي يجب أن يعتمد في هذه الدول وخاصة بعد بروز تيارات إسلامية تعتمد العنف ولا تقبل التعايش مع الآخر.

في هذا الصدد، شرعت الكثير من الدول الإسلامية في تنفيذ ما سمته إصلاح أو إعادة هيكلة الحقل الديني، عبر مراجعة مقررات التربية الدينية وإعادة النظر في طرق تكوين الأئمة وغيرها من التدابير التي تهدف في الأساس إلى أن يكون شكل الإسلام الذي ترتضيه السلطة السياسية هو المعتمد في البلاد.

وإذا كانت السلطات السياسية في الدول الإسلامية لا تجد مانعا من التدخل المباشر في الشأن الديني لاعتبارات متعددة، من بينها أن صاحب السلطة السياسية هو نفسه صاحب السلطة الدينية في غالب الأحيان، فإن الوضع في الدول الغربية يختلف بشكر كبير. فلا دساتير هذه الدول ولا تقاليدها العلمانية تسمح للسياسي أن يتحكم في الدين (بشكل مباشر).

هذا الوضع جعل أصحاب الشأن في الدول الغربية كهولندا من ساسة ومفكرين وأمنيين يبحثون عن طرق أخرى يمكنهم من خلالها فرض النموذج الإسلامي الذي يرتضون دون التدخل المباشر الذي يتعارض مع الدستور.

في رسالته الموقعة بتاريخ 22-04-2016 الموجهة إلى بعض المؤسسات ومن بينها المساجد، أوضح السيد “أشر” وزيرالاندماج في الحكومة الهولندية أنه لا يحق لأي إمام أو خطيب يقيم خارج دول الاتحاد الأوروبي أن يلقي ولو درسا واحدا أو خطبة في أي مسجد، إلا بعد توفره على رخصة عمل تكون المؤسسة التي سيخطب أو يحاضر فيها قد قدمت طلبا بشأنها إلى وزارة الشغل التي تدرس الطلب بعد ذلك وتنظر في مدى استيفائه لكل الشروط المنصوص عليها حسب قوانين الشغل، ثم تقرر منح الرخصة أم عدم منحها. وفي حال مخالفة المسجد لهذا القانون، فسيدفع غرامة مالية تصل ثمانية آلاف أورو. أما إذا تكررت المخالفة فإن الغرامة ستتضاعف وربما تتنوع.

من خلال رسالة الوزير” أشر” هذه وما يراد تحقيقه من ورائها، أستطيع القول بأن الدولة الهولندية بالفعل قد حددت استراتيجيتها للتحكم في الإسلام وفرض النمط الذي تريد دون أن تصطدم بالدستور الذي يمنع التدخل المباشر كما سبق.

قبل توضيح هذه الاستراتيجية، يجب أن نعلم أن الشأن الديني في أي بلد لا يمكنه أن يقوم بنفسه وبشكل مجرد عن باقي المجالات. فمن أجل بناء المساجد ودفع أجرة القيمين الدينيين مثلا، نحتاج المال، هذا المال لا بد أن يتم جمعه وصرفه حسب قوانين البلاد. قوانين البيئة وشروط المحافظة عليها أيضا قد تكون حاسمة في الحصول على رخصة بناء المسجد، والقوانين المنظمة للجمعيات والمؤسسات لها ارتباط وثيق أيضا بالشأن الديني للمسلمين باعتبار أن المسجد لا بد أن يكون تابعا إما لجمعية أو مؤسسة. ناهيك عن قوانين الشغل والهجرة وشروط الحصول على التأشيرة ثم الإقامة للأئمة والخطباء، ولا ننسى القوانين الخاصة بالاندماج والتعايش وغيرها.

إذا، فهناك مجالات ليست دينية محضة لكنها حاسمة في وضع الدين وتؤثرعليه سلبا أو إيجابا وقد لا يقوم أبدا إلا بالاعتماد عليها. وإن استراتيجية الدولة الهولندية على ما يبدو تتمثل في استخدام واستغلال هذه المجالات بالضغط من خلالها والنفوذ عبرها إلى المجال الديني من أجل التأثير فيه وتشكيله بالطريقة التي تريد.

ومادام للدولة طرق أخرى غير الطريق المباشر تستطيع من خلالها التأثير وربما التحكم في الشأن الديني للمسلمين دون أن تخرق الدستور، فما على المسلمين إلا أن يبحثوا في سبل إعادة الثقة بينهم وبين الدولة والمجتمع بدل رفع شعار التحدي الذي لن يجدي نفعا خاصة بعد سقوط وهم الاحتماء من سطوة الدولة بالاستناد للدستور.