منوعات

حسن طارق يكتب عن ساعة بنكيران

قبل الوصول الى “ساعة بنكيران “،كان لابد من المرور بحزمة من المتتاليات الحكائية : قايد الدروة.نطحة بوطازوتت .تدوينة الشقيري .مثليي بني ملال .ديالي أكبر من ديالك.صاية إنزكان .اعتقال مصطفى العمراني .الكوبل الحكومي….

هذه العناوين و غيرها كثير و عصي على الحصر ،تؤشر على النزوع الجديد لاتجاهات النقاش العمومي في بلادنا ،الذي اصبح ينحو للإشتغال على مواضيع أقرب مايكون لما يعرف في لغة الصحافة بالأخبار المتفرقة(les faits divers) ، حيث يقع نوع من التركيز الجماعي و “التبئير” على أحداث يومية ذات طبيعة عرضية ،لتتحول داخل فضاءات التواصل الاجتماعي و مواقع الانترنيت إلى صلب الإهتمام وقلب المتابعات ، بل كثيرا ما تفرض هذه “المواضيع “نفسها على الفاعلين السياسيين ووسائل الإعلام التقليدية ،الذين أصبح توصيفهم كصناع للرأي العام مجرد إحالة على الماضي ،بعد أن تحولوا في كثير من الحالات إلى متلفقين لأجندة هذه “السرديات الصغيرة “التي تصنع بسرعة في شبكات التواصل ، ليفرض عليهم بعد ذلك التفاعل معها و إتخاذ موقف بشأنها .
ذلك أن عناصر هذه الأجندة تتحول الى مواضيع محددة للتخندقات و مهيكلة للتقاطبات ، هو ما ينعكس على الحدة التي تطبع العلاقة بين أصحاب هذه الاصطفافات الناشئة ،والتوتر الإعلامي الذي يرافق الجدل حولها .

في البداية يتعلق الأمر، في الغالب بحدث متفرق ،بجملة صغيرة في تصريح سياسي ،بصورة عابرة ،بفيديو على اليوتوب،بتفاصيل حميمية من الحياة الخاصة لشخصية عمومية .لكن سرعان ما يتحول الجزئي والمتفرق والعابر و الشخصي ، إلى موضوعة مركزية للجدل والصراع وبناء المواقف ،ثم نمر بسرعة أكبر إلى حدث آخر لنصنع منه موضوعة جديدة ،وهكذا ذواليك.

تتميز هذه المواضيع الجديدة للنقاش العمومي ، بسرعة اشتعالها وسرعة إنطفائها ، إنها صناعة استهلاكية قابلة للتلف الفوري ،حيث يبدو معها الفضاء التداولي الجديد بدون ذاكرة ، ينتقل في رمشة عين ، من عنوان إلى آخر ،ومن سجل إلى آخر . السرعة هنا لها وجه آخر ،إنه السهولة ،حيث كثيرا ما تنهض هذه البؤر الجديدة للنقاش العام على التمثلات الجاهزة والكليشيهات المستهلكة ،ان الدعامات الجديدة للتواصل الاجتماعي ،وهي تنطلق من تفاعل لحظي ومباشر ،مع الأحداث ،بشكل يجعل زمن الرأي هو زمن الفعل ،تفرض التنازل على المسافة الضرورية للفهم والتحليل والقراءة، وهو ما يعني انتصار السهولة على العمق ،ذلك أن الصورة تنتصر على الكلمة، والتعليق الصغير ينتصر على المقالة التحليلية ،والانطباع ينتصر على الذكاء ،وفي كثيرا من الحالات تنتصر الإشاعة على الخبر نفسه.

تحيل هذه العناوين المتناسلة ،للوضع المزري للنقاش العام ،ولانزياحه من دائرة الأفكار و المشاريع إلى متتاليات لانهائية من التفاصيل والجزئيات و الأخبار المتفرقة والصور المتلاحقة .

الواقع أن المساهمة في هذا “النقاش ” الذي يستحق بحث فرضية “عموميته”،كثيرا ما يخلق وهما بالمشاركة في الشأن العام ،بدل أن يشكل تعبيرا حقيقيا عنها ، ذلك أنه قد يجعل الشاب الذي “يقطن” وراء لوحة مفاتيح حاسوبه أو هاتفه الذكي ،يبتعد عن أي تجسيد فعلي لمواطنته ،ليضل مطمئنا للإنتماء الافتراضي للهويات الاجتماعية التي تقترحها عليه دينامية ” السرديات الصغيرة “داخل وسائط الاتصال الجديدة ،من قبيل “كلنا مصطفى العمراني ” أو “كلنا خولة “.