وجهة نظر

العلاقات المغربية الخليجية : الميراث والراهن

تأخرت كثيرا القمة المغربية الخليجية المزمع عقدها اليوم الأربعاء بالعاصمة السعودية الرياض بالنضر إلى العمق الاستراتيجي الذي ربط ويربطنا بالأشقة الخليجين على مر التاريخ, وعلى كافة المستويات, سواء منها السياسي أو الثقافي او الاقتصادي او الاجتماعي أو الأمني , هذا الأخير الذي بات يفرض نفسه بالنضر إلى تعاظم قوة جماعات متطرفة في الساحل والصحراء ,أو غطرسة وتجبر قوى إقليمي أو تخدم أجندات أجنبية لا عربية.

عالم اليوم سريع التحولات متجه نحوى تعدد الأقطاب – إن لم يكن هو كذلك الان – يعول فيه على التكتلات المنسجمة والمتجانسة والمتكاملة ,القادرة على الاستجابة لتطلعات شعوبنا العربية من جهة والتي بإمكانها الصمود في وجه هزات اقتصادية عالمية اخرها كان سنة 2008,والتي لازالت تداعياتها واضحة اقتصاديا على دول كبرى ك “الصين” و”أمريكا” و”أوربا”… فما بالك باقتصاد كالاقتصاديالمغربيأو اقتصاد” دول مجلس التعاون الخليجي” الذين لم يتأثرا بشكل واضح لأسباب عدة , لكن من الممكن مستقبلا بقليل أزمة أن تكون النتائج جد وخيمة إن هما لم يصنعا لنفسيهما بدائل خارج النفط والغازوالفلاحة والفوسفاط وهو ما استوعبه الأشقة بشكل أو باخر مؤخرا.

العلاقات المغربية الخليجية ضاربة في عمق التاريخ بحكم الدين واللغة والمصير المشترك , اتسمت عموما بنوع من الانسجام التام والتكامل البناء ,بل ونكران الذات أحيانا ,وهنا تحضرني قصة عجيبة تترجم جانبا مهما من طبيعة علاقتنا بأشققتنا الخليجيين بطلها رمز مغربي شامخ هو المرابطي يوسف بن تاشفين1009 – 1106 م هذا الأمير على المسلمين الذي لو شاء لكان خليفة عليهم اكتفى باللقب الأول على الثاني بكل ما يحمله من دلالة تاريخية ورمزية سياسية وهو من هو,موحد المغرب ومنقذ الأندلس- تلبية لنداء المعتمد ابن عباد – المنتصر في معركة الزلاقة سنة479 ,هـ 1086م بعد قهر “الفونسو السادس”أنداكإلا أنه اكتفى كما قلنا بالإمارة لا الخلافة المخصوص بها الخليفة العباسي في بغداد المستظهر بالله الذي استقبل بحفاوة سفيرين للأمير المغربي هما عبد الله بن محمد بن العربي المعافري الإشبيلي، وولده القاضي أبو بكر بن العربي يحملان هدايا لهذا الغرض بالذات .بقصد لم شمل الامة مشرقها بمغربها بعيدا عن المزايدات السياسية .

في هذه الظروف كان العالم الإسلامي كما اليوم إن شئنا منقسم إلى خلافتين واحدة سنية عباسية وثانية شيعية فاطمية , فما كان من وارث سر الفقيه السني المالكي عبد الله بن ياسين إلا أن يصطف إلى جانب العباسيين سياسيا وروحيا ومحاربة اتباع المذهب الشيعي في “مدينة تارودانت” عسكريا , ونقش إسم الخليفة العباسي على نقودنا مع منتصف القرن الخامس الهجري ماليا .

وهكذا فإن موالات المرابطين للعباسين ضدا في الشيعة الفاطمية انذاك يجد امتداده في التنسيق المغربي الكامل عسكريا مع الأشقة في الشرق والخليج تحديدا كلما احتاجوا لنا أو احتجنا لهم, كيف لا ونحن الكل في الكل أبناء الأمة العربية الواحدة ,وهذه قاعدة وليست استثاء في تاريخ علاقتنا ببعض سواء تعلق الأمر ب “يوسف بن تاشفين” في علاقته ب “المعتمد بن عباد” أو” يعقوب المنصور”في علاقته ب “صلاح الدين الأيوبي” دفاعا عن الأقصى المبارك,أو نصرة لقضايانا القومية مثل حرب أكتوبر سنة 1973، ،حيث بعث المغفور له الحسن الثاني، ، تجريدة من القوات المسلحة الملكية إلى الجولان قبل أشهر من بداية الحرب تبلغ 6000 جندي وكم من الدبابات والمدفعيات و المدرعات القتالية والطائرات الحربيةّ.

في الاتجاه المقابل فإن المغرب لن ينسى للأشقة الخليجيين دعمهم لاستقلال المغرب ابان الاستعمار الفرنسي أوموقفهم مع حدث “المسيرة الخضراء”سنة 1975 واستكمال وحدتنا الترابية حيث كان هناك اجماع خليجي ودعم أخوي دون قيد أو شرط ,والأرشيف السياسي والضمير الجمعي للمغاربة يحتفظ للإخوة الأشقة في الخليج دعمهم اللا مشروط سياسيا كقادة ومشاركتهم الشعبية الميدانية جنبا إلى جنب مع المغاربة لاستكمال وحدتنا الترابية ,هذا الحدث الأكثر أهمية في المغرب المعاصر بعد الاستقلال سنة 1956 والقضية المقدسة بالنسبة للملك والشعب في المغرب .

لا فرق بين الرباط والرياض فالسعودية التي قادت عاصفة الحزم تخندق المغرب معها في صف واحدفقدم جميع أشكال الدعم والمساندة إلى التحالف من أجل دعم الشرعية في اليمن سياسيا ومعلوماتياولوجستيكيا وعسكريا، كموقف مبدئي ولا مشروط ,واجبا وليس منة , والتزاما عمليا من طرف المغرب في الدفاع عن أمن الشقيقة المملكة العربية السعودية والحرم الشريف.

وفي نفس السياق فإن المغرب يعد من أبرز الحاضرين في التحالف العسكري الاسلامي الذي أعلنته المملكة العربية السعودية يوم الثلاثاء 15 ديسمبر 2015، الذي تشكل من 34 دولة ووصل لاحقا عدد أعضائه إلى 39لمحاربة الإرهاب انطلاقا من مقره في الرياض.

وقد جاء هذا التحالف لحماية الأمة من شرو الإرهاب ومخططات الإرهابيين الخفية أو المعلنة أينما كانت انطلاقًا من أحكام اتفاقية “منظمة التعاون الإسلامي” لمكافحة الإرهاب .

نقش إسم الخليفة العباسي على نقود المغاربة كما أسلفنا يجد له استمراريته بطريقة أو أخرى وإن تغيرت بعض المعطيات على الأرض إلا أن الثابت هو أن المصير المشترك الذي يجمعنا لا يسقط بالتقادم , وهكذا بعد نجاح الدورة الثالثة التي انعقدت من 6 إلى 8 مايو 2013 بمدينة طنجةتحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس,انعقد الملتقى الرابع للاستثمار الخليجي المغربي في 28 و29 نوفمبر 2014 بمدينة الدار البيضاء، بمشاركة فاعلين وهيئات اقتصادية وخبراء وأكاديميين وباحثين خليجيين ومغاربة ودوليين. تتويجا للزيارة الملكية لدول مجلس التعاون الخليجي التي أثمرت تفعيلا ملموسا للشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.

هذه الشراكة التي دخلت التاريخ من بابه الواسع يوم الأربعاء20 أبريل 2016 م.حيث احتضنت العاصمة السعودية ”القمة المغربية الخليجية ” الأولى من نوعها والتي دون شك سيكون لها ما بعدها من حيث التعاون الاقتصادي والتنسيق الأمني حول القضايا الاقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك .

وفي هذا الإطار جاء في بيان ختام قادة زعماء” القمة المغربية الخليجية الأولى” دعم الشراكة القائمة بين دول مجلس التعاون والمملكة المغربية؛ تحقيقاً لتطلعات شعوبنا وخدمة لمصالح الأمتين العربية والإسلامية.

– التأكيد على متانة الروابط التاريخية ، وأهمية التضامن والتكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي والمملكة المغربية.

– اعتبار قضية الصحراء المغربية قضية دول مجلس التعاون أيضا ودعم مقترح الحكم الذاتي .

– الالتزام بالدفاع المشترك عن أمن بلداننا ، واحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها وثوابتها الوطنية، ورفض أي محاولة تستهدف زعزعة الأمن والاستقراربها.

– دول مجلس التعاون والمملكة المغربية تشكلان تكتلا استراتيجيا موحدا، حيث أن ما يَمُسُّ أمن إحداها يمس أمن الدول الأخرى.

– أدان القادة في البيان التطرف والإرهاب بجميع صوره وأشكاله، ، كما أكدوا على رفضهم التدخل في الشؤون العربية العربية من طرف قوى إقليمية أو دولية مؤكدين على أهمية التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب لربح هذا الرهان .

إن ما راكمته العلاقات المغربية الخليجية من تجارب تعاون وتنسيق,وتتويجهابهذا البيان , وما يملكه هؤلاء القادة المجتمعين اليوم من إرادة سياسية ,وما تتوفر عليه المنطقة من خيرات بترولية, وفوسفاطية, وفلاحية, لكفيل بتحقيق تكامل حقيقي في أفق الاندماج التام كحتمية مستقبلية لا محيد عنها عبر عنها المشمول برحمة الله تعالى الملك عبد الله.