وجهة نظر

السيسي بين زيارتين

بين زيارتين يتغير منطق السيسي، سلمان ليس هولاند، سلمان جاء ليأخذ و يقايض و ربما يستأجر، هولاند جاء ليأخذ كي يسكت، السيسي في الأولى قدم الوطن من أجل إنقاذ نظام من أزمته المالية، و هولاند جاء ليبيع طائراته و يفرج من كربة فرنسا باستثمارات و أسلحة ضخمة.

من أجل ذلك يستمع هولاند للمرافعات السيسي حوله منطقه في ماهية حقوق الإنسان و إطارها المختلف عن ماهو في الغرب كما قال “لا يمكن للمعايير الأوروبية (وهي) في أعلى مستويات التقدم والحضارة في كافة المناحي، أن ينظر لها في الظروف التي تمر بها دول المنطقة ومن ضمنها مصر”.

يبررالسيسي بمنطقه هذا، الذي هو منطق كثير من حكام هذه البلدان ومواليهم، قمع نظامه و دحره للمعارضين و تشتيت شملهم و كسر ظهورهم، و لا يجد غضاضة في ذم قومه و نعتهم بالرجعية و التخلف حين يتحدث عن رجعية منطقته و تآخرها عن أوربا بكثيركما يقول، فمنطقهم أيها الغرب ليس منطقنا نحن الشرق، ديمقراطيتكم حقوقكم حرياتكم، سلع بائرة في عالمنا، يصمت هولاند و لا يتحدث إلا بتعقيب بسيط رافعا للحرج أمام مجتمعه و صحافته حين ستسائله.

في جلوسه و انتشائه أمام هولاند، و انكساره و تواضعه أمام سلمان، بل و خروجه عن المألوف حين ارتفع نحو طائرة الملك عبد الله دون أن ينزل الآخر، يعطي الرئيس المصري تشخيصا بسيطا لنظامه الإرتزاقي. كما يؤكد ركض هولاند و قبله آخرون نحو القاهرة أو أي عاصمة عربية أخرى، الصورة النمطية التي بات عليها زعماء الدول الكبرى حين يغلبون المصالح الإقتصادية و الصفقات الدسمة على مبادئهم التي يحاصرون بها و من أجلها و ينسفون دولا و أنظمة.

زيارة هولاند أعادت الحياة لجوقة السيسي من إعلاميين و صحفيين، بعد نكسة الجزيرتين، و ما ترتب عنهما من سخط و لغط و رفض شمل حتى الموالين للسيسي و أخرج المرشح السابق أحمد شفيق من صمته ليهاجم السيسي، و أعاد للمعارضة دفعة جديدة للخروج إلى الميادين صارخين ضد حكم الديكتاتور و حكم العسكر.

هل ضاقت الأرض بما رحبت على السيسي و نظامه إذا ؟ فالقضية قضية وطن، و القرار ببيع أو تسليم الجزيرتين ربما أودع في الضمير المصري جرحا غائر طال الأناة المصرية ، خاصة لمدى حساسية القضية و اربتباطها بفكرة مستقرة في وجدان المصري، و هو ما جعل المعارضة تستغله في تسويقها و حشدها ضد النظام، فالتسليم كان لدى البعض مسألة بيع للشرف و العرض لخليجي متخم بالمال يرى مادونه من العرب و البشر نظرة الدونية و الإحتقار…