وجهة نظر

الصحة و السلامة في مواسم (الحبة) والبارود

كلّما حلّ موسم المواسم السنوية التي ينظّم فيه عدد كبير من المواسم في مختلف مناطق المغرب وخلال فترة محدودة و التي أضحى عددها يزداد سنة بعد أخرى تحت عناوين ثقافية و فلاحية و فلكورية و رياضية ، إلّا و أتساءل عن المكان الذي سيقضي به هذا العدد الهائل من الزوار حاجته الطبيعية ، يعني بصريح العبارة ، أين سيتغوّط و يتبوّل هؤلاء القوم في غياب مراحيض عمومية ثابتة أو مؤقتة ؟ و الواقع أنه لا ملاذ لهم غير حيطان البيوت و الإدارات ، و ما خفي من أماكن تحت الأشجار ، و منهم من يتخلّص من العذرة في أكياس بلاستيكية بالنهار ، و يرميها حين يجنّ الليل أينما تيسّر و لو في حدائق جيران الخيام .

و عند التجوّل سريعا بين المسالك التي سمحت بها الخيام و مرابط الخيول المنتشرة في كلّ مكان ، و عربات الباعة فيتضح أن لا وجود لأثر يدلّ على حفظ الصحة ، و لا أثر لمن يسهر على احترام شروطها ، و لو من باب الشكلياتوالمسرح و التمثيل ، فاللّحوم معروضة على جانب الطريق للغبار و للحشرات ، و كذلك المواد الاستهلاكية التي يقتنيها الزوار للاستهلاك محليّا او عند العودة إلى بيوتهم مفعمة بمزيج رائحة بول الدواب و روثها التي تتجول بحرية في كلّ مكان.

و للحديث عن السلامة لنا أن نتسائل عن مدى المهنية التي تتعامل بها السلطات المنظّمة لهذه التظاهرات و كذلك السلطات الوصيّة مع مادّة البارود المتفجّرة منذ الاقتناء إلى غاية إفراغ الطلقة في الهواء على الحلبة من قبل الخيّالة ، و أن نتسائل كذلك عن عدد بنادق “التبوريدة ” التي خضعت للخبرة التقنية لتجنب حوادث انفجارها المعتادة بين يدي مستعملها و في وجهه و في وجوه الآخرين .

و لنا كذلك أن نقارن بين “التبوريدة” بين الأمس واليوم ، و بالتحديد بين فرسان الأمس الذين كان معدّل أعمارهم مرتفعا و كذلك رجاحة عقولهم و تقديرهم و احترامهم من قبل الناس، كما كان حرصهم شديدا على مظاهر التقوى حيث لا عجب أن نسمع عن إصرار البعض منهم على الوضوء كلّما همّوا بامتطاء صهوات جيادهم ، و بين فرسان اليوم الذين هم إمّا صغار قاصرون غير مسؤولين و إمّا مراهقون لا يقدّرون خطورة امتطاء جواد و التبخثر به بين الناس ، أو تعبئة بندقية بالبارود و التعامل مع هذا الأخير كمادّة متفجرة ، أو تناول المخدّرات قبل كلّ جولة ” تبوريدة “، أمّا الفرسان البالغون المتزنون فقليل ما هم .

و بغضّ النّظر عن الصحّة والسلامة الغائبتين في مثل هذه التظاهرات ، و بالنظر إلى المخاطر الحاضرة و المتكررة، علينا إعادة النظر في مواسم (التبوريدة) جملة و تفصيلا مع دراسة الجدوى منها سياسيا و اجتماعيا ، و كذلك اقتصاديا حيث أعتقد أنّ خيول(التبوريدة) تمثل رأس مال ميت لا ينتج قيمة مادية مضافة ، بل يستهلك مالا إضافيا لصيانته و ذلك باعتبار مصاريف الحصان اليومية المتعلقة بالأكل و الشرب و الدواء و اليد العاملة ، بالإضافة إلى المصاريف الضرورية لتنظيم (الموسم) سواء التي يؤديها المنظّمون من المال العام أو يصرفها المشاركون من مالهم الخاص ، و لا بدّ كذلك من دراسة موضوعية شاملة لتحديد ما لها و ماعليها ، و ماذا جنت منها البلاد طوال ما مضي من سنوات ؟.