وجهة نظر

العدل والإحسان من خرافة القومة إلى وهم الخلافة

استوقفتني كما استوقفت العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، التصريحات الأخيرة للأمين العام لجماعة العدل والإحسان الأستاذ محمد عبادي حول الخلافة، واعتبارها “فريضة كبرى و مقصدا من مقاصد الدين”. لكن الذي استوقفني أكثر، هو كون جماعة العدل والإحسان من التنظيمات الإسلامية القليلة جدا في العالم التي لم تقم بأي مراجعات على مستوى توجهاتها الفكرية و السياسية منذ نشأتها، بخلاف ما حدث لدى تنظيمات أخرى كان بعضها لوقت قريب يعتبر من التنظيمات الجهادية، أو أيضا المراجعات المستمرة التي تعيشها تنظيمات أخرى أكثر انفتاحا جعلتها تتخذ مواقف متقدمة من عدد من القضايا كانت تعتبر بالنسبة لها و إلى وقت قريب، من المقدسات التي لا يمكن مناقشتها أو من القضايا المحسومة فقهيا. المراجعات الفكرية لجماعة العدل و الإحسان مازال العديد من المغاربة ينتظرها، بعد تأكد “خرافة” القومة التي كانت سنة وقوعها معروفة و محددة من طرف الجماعة و معززة ببراهين من أحلام يراها مريدوها و يحكونها في مجالسهم التربوية.

حتى نبقى في صلب الموضوع، فإن الاقتصار على كلمة “خلافة” يخفي كثيرا من عدم الإدراك الحقيقي لمعنى هذا المصطلح، الذي مازال موضوع نقاش وتفكير خصوصا بعد ظهور تنظيم “داعش” الذي يدعو لإقامة خلافة أقل ما يقال عنها أنها لاعلاقة لها بالدين الإسلامي. وأيضا بالنظر لكون الحديث الذي تستند له جماعة العدل والإحسان في تبرير دعواتها المستمرة لإقامة هذه الخلافة، هو في نظري لا يحمل أي تفضيل لنظام على غيره من الأنظمة السياسية، بقدر ما يتضمن توصيفا للحالة التي سيكون عليها كل واحد من هذه الأنظمة، مع العلم أن القرآن كله لم يفضل نظاما سياسيا على غيره. فقد كانت بلقيس ملكة، و سليمان كذلك، و طالوت، وحتى فرعون نفسه. فالنقد القرآني كان يتوجه أساسا للطريقة التي يتم بها الحكم لا لطبيعة الحكم نفسه، و هو ما يجعل تركيز جماعة العدل والإحسان على قضية “الخلافة” بعيدا عن أي توجه قرآني أو إسلامي.

السؤال يجب أن يتوجه لا حول شكل نظام الحكم، و إنما حول القيم المؤطرة له، القيم التي تجعل في عصرنا ملكية مختلفة عن أخرى و نظاما جمهوريا مختلفا عن غيره و ديمقراطية مختلفة عن ديمقراطية. فالحسم في شكل الحكم لا مرتكزاته الفكرية و الثقافية و المعرفية و الأخلاقية يبقى أمرا خطيرا في نظري. حيث لم تشفع “إسلامية” بعض الدول التي سمت نفسها كذلك من اقتراف مآسي في حق المجتمع و لم تمنع علمانية بعض الدول أنظمتها من أن تكون أكثر تطبيقا لمبادئ الإسلام من غيرها من الدول. و لو كان الحديث عن الخلافة كنظام بشكل مطلق و مجرد عن أي مبادئ منطقيا، فإنه من حقنا طرح السؤال حول أي واحدة منها تقصد الجماعة. هل يتعلق الأمر بخلافة أبي بكر الصديق الذي شن حروب الردة، أو خلافة عمر بن الخطاب الذي علق العمل بالحدود، وقام بالتأصيل لأمر مهم من خلال هذا القرار وهو العمل بمنطق القيم لا الأحكام. فحين لا يخدم الحكم القيم المؤطرة للدين و مقاصده الكبرى، فإن الأولى الانتصار للقيمة لا الانتصار للحكم و هو ما قام به سيدنا عمر بعبقريته الاستثنائية. أو هل يتعلق الأمر بفترة حكم عمر بن عبد العزيز الذي خرج من رحم نظام تنتقده جماعة العدل و الإحسان، و رغم ذلك يحصل على لقب خامس الخلفاء الراشدين من طرف عدد من المؤرخين و العلماء. فالدين أكبر من أن ينحصر في نظام حكم معين، والقول بالعكس هو أمر سيؤدي بنا للوصول لفترة يصبح فيها الدين غير صالح لكل زمان و مكان، خصوصا إذا تعاقد المجتمع على شكل حكم يناقض ما يفترض البعض أن الدين جاء به.

و هنا نقف مع جماعة العدل و الإحسان، و بالعودة للمراجعات، فإنه و إن افترضنا للحظة أن الجماعة محقة في مسعى إقامة الخلافة، فإن التساؤل يبقى مطروحا حول منطقها المؤطر لتداول السلطة والحكم، وموقف الشعب من هذا التداول، وأهمية البيعة فيه ، كما يمكننا التساؤل حول موقف الجماعة من القضايا المتعلقة بحقوق المرأة أو تطبيق الحدود و من حقوق الإنسان و المرجعية الكونية، وموقفها من علاقة المغرب مع عدد من الشركاء الاقتصاديين و السياسيين من دول و منظمات دولية و من الوحدة الترابية و من العديد من القضايا المؤطرة للحياة السياسية. 

إن الدعوة “للخلافة”، دون وصف هذه “الخلافة” و لا تحديد تفاصيلها و مبادئها، و القيم الأساسية المؤطرة لها، يعتبر دعوة فجة للحكم فقط، لا لترسيخ اي بديل سياسي أو قيمي يمكن أن يؤدي لحل لمشاكل الناس، بعيدا عن مدى منطقية دعوات جماعة العدل و الإحسان من عدمها‘ فإن مجرد الغموض الفكري الذي يعرفه مشروعها السياسي و الدعوي هذا يجعل الناس ينفضون من مشروع لا تظهر له أي ملامح واضحة يمكن أن تصنع لهم أملا بمستقبل أفضل.