مواد كيميائية وبكتيريا.. كيف تحول شمس الصيف قنينات المياه إلى سموم بطيئة؟

في ظل موجات الحر المتكررة بالمغرب، تُعرض قنينات المياه المعدنية أحيانا تحت أشعة الشمس المباشرة، ما يشكل خطرا خفيا على صحة المستهلكين. فالتخزين غير السليم قد يؤدي تدريجيا إلى مشاكل صحية خطيرة على المدى الطويل، وفق خبراء البيئة والصحة.
قنينات المياه البلاستيكية، المصنوعة غالبا من مادة البولي إيثيلين تيريفثالات، تتحلل عند ارتفاع الحرارة، مما يؤدي إلى تسرب مواد كيميائية مثل الأنتيمون ومركبات البيسفينول، المعروفة بتأثيرها على الغدد الصماء والمحاكاة الهرمونية في الجسم.
وقد يزيد هذا التعرض من خطر الإصابة بأمراض مزمنة كالسكري وأمراض القلب وبعض أنواع السرطان، كما يؤثر على نمو الجهاز العصبي للأطفال ويُضعف الخصوبة لدى البالغين.
خطر القنينات
وفي هذا الصدد، اعتبر رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، بوعزة الخراطي، أنه في ظل الأزمة التي عرفها المغرب منذ ست سنوات، والذي نتج عنه ندرة مصادر المياه الطبيعية وجفاف العيون والوديان، أصبح اعتماد المواطنين على المياه المعدنية المعبأة أكثر من أي وقت مضى ضرورة ملحّة.
وأوضح في تصريح لجريدة “العمق”، أنه مع تزايد عدد الشركات المنتجة لهذه المياه، أصبح ضروريا التمييز بين المياه المعدنية الحقيقية التي تُستخرج من منابع طبيعية دون أي تدخل يغير تركيبها الكيميائي، وبين المياه المستخرجة عبر المضخات التي تفقد بدورها خصائصها المعدنية الأصلية بسبب التغير في الضغط.
وأشار إلى أن السوق المغربي يتوفر على نوعين من عبوات المياه، العبوات الزجاجية، والتي كانت تُستخدم بكثرة سابقا وساهمت بشكل فعال في الحفاظ على جودة المياه، والعبوات البلاستيكية الأكثر انتشارا حاليا لانخفاض ثمنها، لكنها تثير مخاوف صحية عند تعرضها للحرارة وأشعة الشمس المباشرة.
وفي هذا السياق، أكد الخراطي أن المسؤولية الكاملة لضمان سلامة المياه المعدنية تقع على عاتق وزارة الصحة، وذلك من خلال توفير المختبرات المتخصصة، والأطر العلمية، والبرامج الرقابية اللازمة للإشراف على جودة هذه المياه، مشيرا إلى وجود قصور في خُطط المراقبة، ما يهدد فاعلية الإجراءات المعتمدة.
ونبه الخراطي، من نقل وتخزين القنينات البلاستيكية، الذي يتم غالبا دون تدابير وقائية ملائمة، حيث يتعرض الماء لأشعة الشمس ويُحتفظ به في أماكن مفتوحة أو غير محمية، سواء في المخازن أو أثناء انتظار الشحن، وهو ما يفاقم خطر تلوث المياه.
كما يؤكد على ضرورة قيام وزارة الصحة بتعزيز منظومة مراقبة الجودة والرقابة البيئية للمياه المعبأة، عبر تزويدها بالموارد المختبرية والبشرية، وتصميم برامج متابعة مستمرة، مع زيادة التوعية والتدريب للجهات والمستهلكين على حد سواء، لضمان مياه نظيفة وآمنة في كل مراحل تعبئتها وتداولها، حفاظًا على صحة المواطنين وسلامتهم.
الملف يصل البرلمان
في هذا الإطار، وجه النائب البرلماني عبد اللطيف الزعيم، عن فريق الأصالة والمعاصرة، سؤالا كتابيا إلى وزير الصناعة والتجارة حول الآثار السلبية لعرض قنينات المياه المعدنية تحت أشعة الشمس وتأثيرها على صحة المستهلك.
وقال البرلماني في سؤاله، إن عددا متزايدا من المستهلكين بات يلاحظ تغيرا في طعم ورائحة هذه المياه، خصوصا تلك التي يتم اقتناؤها من محلات وأسواق لا تراعي شروط التخزين، أو تلك المعروضة مباشرة تحت أشعة الشمس وفي درجات حرارة مرتفعة.
وأشار إلى أن العديد من المواطنين عبروا عن قلقهم إزاء هذه الظاهرة التي تمس منتوجا حيويا وضروريًا للحياة يستهلك يوميًا، حيث أفادوا بتسجيل روائح وطعوم غريبة تشبه أحيانًا رائحة البلاستيك أو المطاط، مما يثير تساؤلات مشروعة حول جودة وسلامة هذا المنتوج في ظل غياب شروط الحفظ والتخزين، وخصوصًا خلال مراحل التوزيع والعرض.
وبحسب المصدر ذاته، فإن خبراء في مجال الصحة يرون أن تعريض القنينات البلاستيكية للحرارة المرتفعة قد يتسبب في تسرب مركبات كيميائية سامة إلى داخل الماء، على رأسها مادة “البيسفينول A” المعروفة بتأثيراتها الصحية الضارة، لا سيما بالنسبة للأطفال والنساء الحوامل.
كما أن استمرار عرض هذه القنينات في ظروف غير ملائمة، سواء على الأرصفة أو داخل عربات التوزيع، يشكل خرقًا لمعايير السلامة الغذائية ويستوجب تدخلا عاجلا من الجهات المختصة.
وأمام تزايد هذه الحالات، وغياب حملات مراقبة دائمة للأسواق المحلية، ومع ضعف التوعية بشروط التخزين لدى بعض التجار والوسطاء، تتعزز المخاوف من استفحال هذه الظاهرة وما قد تسببه من انعكاسات صحية سلبية على المواطنين.
وطالب الزعيم الوزارة الوصعية بالكشف عن الإجراءات التي تعتزم الوزارة اتخاذها لمراقبة ظروف تخزين وعرض هذه القنينات، وضمان احترام معايير السلامة الصحية، محذرا من أن استمرار الظاهرة في غياب حملات المراقبة والتوعية قد يفاقم انعكاساتها السلبية على صحة المواطنين.
مواد سامة
وتحذر دراسات علمية من تعرض العبوات البلاستيكية للحرارة المرتفعة، لأن ذلك يؤدي إلى إفراز مواد سامة كالبيسفينول A، وهو مركب معروف بتأثيراته الضارة على الجهاز الهرموني، لا سيما عند الفئات الحساسة كالأطفال والحوامل.
بالإضافة إلى ذلك، تبرز مخاطر حدوث تلوث بـ”الميكرو بلاستيك”، وهي جسيمات بلاستيكية ذات حجم دقيق جدًا (أقل من 5 ملم) تنتج عن تحلل البلاستيك، وتُعتبر ملوثًا بيئيًا قد تُسبب أضرارًا صحية تشمل التسمم، والتهاب الأنسجة، واضطرابات مناعية وهرمونية.
وتم الكشف هذا الأسبوع، في فرنسا، ضمن علامة تجارية رائدة، عن وجود هذه الجسيمات في المياه المعبأة، الشيء الذي يعزز الحاجة إلى تقييم دقيق لحالة مياهنا المعبأة في المغرب، ومدى خلوها من هذه الملوثات.
ولا تتوقف مخاطر التعرض لأشعة الشمس عند تسرب المواد الكيميائية فحسب، فالحرارة المرتفعة داخل القنينة تُحول المياه إلى بيئة مثالية لنمو وتكاثر البكتيريا، فتُصبح المياه عرضة للتلوث البيولوجي بشكل سريع، خاصة إذا كانت القنينة قد فُتحت ثم أُعيد إغلاقها.
ويُمكن أن تُسبب هذه البكتيريا أمراضًا مختلفة، مثل الإسهال والتسمم الغذائي، كما يؤكد الباحثون في مجال سلامة الأغذية، حيث إن قنينة المياه التي تُترك تحت أشعة الشمس تُصبح أرضًا خصبة للبكتيريا خلال ساعات قليلة، مما يجعلها غير صالحة للشرب.
وللتصدي لهذا الخطر، تشير الدراسات إلى ضرورة اضطلاع الهيئات الرقابية بدورها في تشديد المراقبة على سلاسل التوريد والتخزين في المحلات التجارية، حيث قول الخراطي إنه “إذا غاب الفزاع، العصافير تفعل ما تشاء” وفق تعبيره.
اترك تعليقاً