وجهة نظر

الدولة لن تغامر مجددا

لقد تعلمت الدولة درسا قاسيا، إبان حراك الربيع : أن في الأزمات الكبرى، لن تنفعها في أي شيء الهيئات السياسية التي كانت تُعَد الخرائط من أجلها، و تُقطَّع الدوائر الإنتخابية و تُفَصَّل على مقاسها،و كانت تدعمها الإدارة بشكل واضح و بين. بل و توضَع رهن إشارتها، تفعل بها ما تشاء حسب رغبتها.

فأثناء الحراك، إختفى الذين كانوا سببا رئيسيا في غليان الشارع، و لم نعد نسمع منهم شيئا. بل ومنهم من سافر خارج المغرب، حتى لا تتلقفه ألسنة اللهيب المشتعل. وتركوا النظام في مواجهة شارع لا أحد يعرف منتهى مبتغاه.

و الأدهى و الأمر أن قد رُفعت لافتات مرسوم عليها رؤوس قادة حزب الأصالة و المعاصرة المغضوب عليهم آنذاك. بل و تم أيضا، تنبيه الملك ممن حوله من أصدقاء الدراسة، و ذلك طيلة مدة الحراك.

و هي كما أسلفنا، صانعة أزمات بامتياز. فأزمة “أكديم إزيك ” فجرها التطاحن الانتخابي بين الأصالة و المعاصرة و الاستقلال. فقد كانت الصحراء و ما تزال، عرينا انتخابيا تاريخيا للميزان. لكن أبى الجرار إلا أن يحرث في كثبان، رمالها لن تُنبِث له زرعا، و لن تسقيه ماء. و النتيجة كانت كارثية. مات رجال كثيرون، و هـُددت القضية الوطنية من لدن أبنائها، و أُلصِقت التهمة بالبوليساريو، و أُغلقت القضية.

أما الأحزاب التي أُريد لها أن تبقى في الهامش، و تُسٓخَّر إمكانات الدولة لمحاربتها، و الاستحواذ على مغانهما. هي من تلجأ الدولة إليهم، حين لا تجد من يمد لها يدا.

ففي أزمة السويد الأخيرة، إذ اشتعلت الخطوط الساخنة، و اتصل وزير الداخلية مستنجِداً، بالأمينة العامة لحزب قاطع الدستور و الانتخابات التشريعية التي تلته، أن تطير على عجل إلى جنة الأرض. فتعجب أهل السويد و اندهشوا. فقد كانوا يحسبون المغرب دولة بوليسية قمعية. فلما اطلعوا على ملف الجالسة أمامهم، و كيف أنها رئيسة حزب يساري، غير ممثل بالبرلمان. ففهموا أن الأمر ليس قضية نظام يستعمر أرضا ليست له، بل هي قضية وطن.

و قد كنا نتسائل دائما، لو لم يكن حزب العدالة و التنمية، و لو لم يكن بنكيران، أثناء الربيع، ” شكون اللي غادي يفك الجرة ؟ “. فحتى خطاب تاسع مارس ” غي برد القضية شويا أو صافي “. و توالت المظاهرات الأسبوعية لحركة العشرين من فبراير، و لولا بنكيران الذي سرق النجومية منها، لوقع ما لم يكن في الحسبان. و لم يهدأ الشارع إلا بعد فوز العدالة و التنمية في انتخابات 2011.

فالدولة لن تحتاج أحدا بعد الآن، فهي آمنة مطمئنة ما تمسكت بالديمقراطية. و الملكية ضابطة التوازن بالبلد، و إن كان لا بد لها أن تميل إلى كفة، فستميل إلى كفة الإصلاح. هذا ما عهدناه، و الإشارات واضحة بينة، لمن يفقه شيئا.

و المواطن بالمرصاد، فهو يرى ويسمع : فمن الرباط إلى مزوار، مرورا بالربورطاجات المخدومة و المقالات المأجورة، و مؤخراً هجوم وجدة.

إن هؤلاء مُتٓبَّر ما هم فيه و باطل ما كانوا يعملون. إن الذين استكبروا يشكلون خطرا على الوطن كما أسلفنا، و على المواطن لأنهم سيمصون دمه. و على الملكية أيضا، فهم إن استحوذوا على المناصب السياسية، فسيصبح الربيع “شتاء مغربيا”، رياحه لن تبقي و لن تذر. فالحذر كل الحذر منهم. فهم يودون لو تغفلون عن أسلحتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة.

والمواطن سيعي هذه الأمور جيدا قبل ولوجه مكتب التصويت. فالكرة ستكون في ملعبه أكتوبر القادم.