وجهة نظر

سبحة جدتي وقناة “ناسيونال جيوغرافيك”

بعدما أكملت العشرة في أصابع يدي، وانأ أعد المواقع الالكترونية المغربية، تركت العشرة جانبا، وأخذت سبحة جدتي لأتمم العد، قبل أن القي بالسبحة إلى جدتي، وبالعشرة إلى جيوبي، مقنعا نفسي أن عد هذه المواقع أو عد “زغبات” فروة الأسد ضرب من الخيال.

كانت “الصحافة الالكترونية”، قبل أن تتكيف مع الخصوصية المغربية، صحافة جادة ومسؤولة لا تختلف كثيرا عن الصحافة الورقية، مع امتياز سرعة الانتشار والتفاعل مع القارئ، لكن على ما يبدو أنها “المسكينة”، اقتنعت أن دماءها لا تناسب دماء الخصوصية المغربية، لقد تعرضت لأبشع أنواع التنكيل، فقدت شرفها، وقل شأنها، وعبث بميثاقها من طرف من هم المفروض فيهم صيانتها والرفع من شأنها.هذا حالها “المسكينة”، لقد ربطها أبناءها إلى جذع شجرة وتركوها عرضة لجلد كل من هب ودب .

لتكتشف هذه البشاعة، لست بحاجة إلى تصحيحات “غوغل” أو مساعداته، فيكفي أن تلقي إلى حاسوبك باسم مدينة مغربية، أو حتى اسم شهر من شهور السنة، حتى تنفتح أمامك كل قرائن الإدانة. مواقع بطعم “الحامض” ورائحة “لغمولية”، تتكاثر وتنتشر كالفطريات، يبقى التمييز بينهما مرهون بـ”اللوغو” والألوان، أما غير ذلك فأنت تقرأ نفس الخبر وبنفس الصيغة والأسلوب مهما غيرت المواقع.

الصحافة الالكترونية مهنة من لا مهنة له، ملجأ الفاشلين ورقيا، جبل “الجودي” رست عليه سفينة المدونين، وماخور للعبث بالمعنى النبيل لصاحبة الجلالة عند الكثيرين.

بعض هذه المواقع تنهج مبدأ “الشفافية”، شفافية الصناديق الزجاجية للانتخابات في عهد الراحل إدريس البصري، شفافة إلى درجة أن الكل يرى ما يلقى بداخلها من أصوات، لكن لا أحد يعلم كيف تتم عملية الفرز، فيما يرى البعض الأخر أن العين حق، لذا وجب الإبقاء عليها صناديق سوداء.

وأنت تتصفح هذه المواقع، عليك توخي الحذر، والتعامل معها كحقل ألغام، فهناك من هو متخصص في نصب الفخاخ، والتستر وراء الحاسوب في انتظار ضحايا أمثالك. فمثلا، إذا قرأت عنوانا بالبنط العريض، وبالأحمر الداكن كهذا: عاجل: انفراد، “”وفاة الملك بعد أن دهسته شاحنة رجال المطافئ”، لا تتسرع وتسرع إلى إخبار من حولك بالأمر، قد تصبح ناشرا للفتنة ومزعزعا لاستقرار البلاد دون أن تدري، فالأمر لا يتعلق لا بدهس ملك اسبانيا ولا ملك جزر الوقواق، قد يكون الأمر يتعلق فقط بمقطع فيديو منقول عن قناة “ناسيونال جيوغرافيك” يظهر شاحنة رجال المطافئ وهي تدهس أسدا (الملك) أثناء قطعه الطريق السريع بإحدى الولايات الأمريكية، ولا تستغرب إذا واجهك عنوان آخر بموقع أخر: “عاجل: “الملك يترأس المجلس الوزاري”، وكأن المجلس الوزاري كان منعقدا سرا؟؟ وأنت تواصل التصفح، خذ لك مهدئا، وضع أعصابك في مكان بارد، لا تنفعل وأنت تقرا عنوانا آخر:”عاااجل وحصري: هزيمة المنتخب الوطني أمام ……. بالصوت والصورة”، علما أن المباراة كانت منقولة على المباشر وشاهدها الملايين عبر العالم.

يتصرف مالكيي هذه المواقع كما تتصرف “الباطرونة” في مواخير الدعارة، تضع “العناويين” البراقة والمنمقة على الأسطح والنوافذ لجلب الزبائن، ما إن تتخطى عتبة الباب ولو بـ”كليك”واحد، تستقبلك لافتة أهلا بك إلى نادي “المقولبين”.

من وسط هذه “الخوردة” الإلكترونية، ينبعث نور موقع واحد أو اثنين، يسيران بثبات نحو كسب ثقة المزيد من المتصفحين، ويقدمان مواد إخبارية جادة وبعناوين تناسب المحتوى، بعيدا عن لعبة نصب الفخاخ.