وجهة نظر

بين إرهاب العواصم ومطلب الأمن للجميع

هل تجني أوربا الفاكهة الدموية لسياسة الفوضى الخلاقة التي ابتدعت أمريكا في بلدان الشرق و الجنوب؟ 

إلى أي حد استطاعت أحزاب اليمين المتطرف في تكوين الفكر الفئوي و العشائري داخل أوربا عن طريق سياسات الإقصاء و إذكاء خطاب الكراهية؟

بعد الأحداث الدموية الاخيرة التي عرفتها العواصم الأوربية و وضع داعش قواعدها بليبيا؛ هل سيأخذ الاتحاد الأوروبي سياسة المغرب الدولية في مجال الأمن بجدية أكبر و يفهم بأن احترام سيادة البلدان على قبائلها بما في ذلك المغرب على صحرائه هو صمام الأمان و خيط الأمن الجماعي المشترك بين الشرق و الغرب؟

بعد أكثر من عقد من الضربات الارهابية لأوروبا في عقر دارها، هل تتجرأ البلدان الأوربية على ردع سياسة الفوضى الخلاقة الأمريكية و الدفع نحو إنهاء النزاعات في بؤر التوتر حفاظا على أمنها و الذي يعتبر السلعة الأولوية الأولى المفقودة في سوق المصالح الاقتصادية و الاستراتيجية في دول الشرق و الجنوب و أوربا اليوم؟

توالت الانفجارات بأوروبا بعد أحداث 11 شتنبر 2001 بنيويورك و التي سوغت الانقضاض على العالم بذريعة العرق و الدين :
11 مارس 2004 بمدريد
7 يوليوز 2005 لندن
13 نونبر 2015 باريس
10 أكتوبر 2015 أنقرة
17 فبراير 2016 أنقرة
22 مارس 2016 بروكسل 

إن إحصاء القتلى والجرحى في هذه الحالات لا يجدي أمام هول الانعكاسات على العالم بأسره من حيث الأمن؛ هذه السلعة الجديدة التي أصبحت لا تضاهيها الرساميل المادية و لو اجتمعت في بورصة واحدة.

و إذا كانت الانفجارات كلها توقع باسم الإسلام ففي تركيا وقعت باسم الطائفة الكردية لأن الإسلام كذريعة لا يجدي في هذه الحالة إذ اعتبر الفكر الطائفي و الفئوي العمود الفقري لسياسة الفوضى الخلاقة في العالم العربي و الإسلامي نظرا للطبيعة القبلية لهذه المجتمعات؛ و لئن كانت دول الشرق و الجنوب قد استطاعت ان تكون دولا و تبسط سيادتها على قبائلها فإن ذلك لم يكن بدون ثمن من حيث الحريات و الديمقراطية؛ الشيء الذي شكل فتيلا سهل الاشتعال عقب التدخل الغربي في جل العواصم العربية و الإسلامية؛ فتحولت إلى كيانات مستحيلة التآلف بعد إفلات سيادة الحكام على القبائل و الطوائف، و تم تخريب العواصم الأقدم في العالم و مهد الحضارات الإنسانية تحت رداء البحث عن الديمقراطية.

و لعل النموذج الليبي يجسد ذلك بشكل أوضح و ما استهدافها من طرف داعش بالاستيطان إلا ثمرة الفوضى العارمة التي تعرضت لها؛ إن سهولة وضع قواعد إرهابية بها هو ناجم بالأساس عن طبيعة المجتمع القبلي و هي الخاصية التي تشترك فيها بلدان شمال إفريقيا خاصة التي تمتد على الصحراء.

و ليس من الصدف أن يلعب المغرب دورا رائدا في محاولة رأب الصدع و جمع ائتلاف ليبي يقود ليبيا للخروج من وضع اللادولة الذي تعرفه للأسف، بل هو نتيجة لتمرسه في إدارة القبائل و القدرة على تحقيق الانسجام بينها عبر قرون من التاريخ قبل الحماية الفرنسية و الإسبانية على أراضيه.

و إذا كنا لا نلزم هاتين الدولتين باسترجاع ذاكرتهما و الاعتراف بالوضع الذي وجدتا عليه المغرب في بداية القرن الماضي فإننا أيضا لا نلزمهما بأن تقتنعا بأن المغرب لن يتخلى عن صحرائه، لكننا نطالبهما إلى جانب كافة أعضاء الاتحاد الأوروبي بمراجعة مواقفهما والتعامل معنا بقدر ما نتوفر عليه من سلعة الأمن التي نحوزها و نقدمها للعالم بسخاء.

في الوقت الذي يبسط المغرب سيادته الواقعية على الصحراء منذ قرون لم تمنعه العولمة و مسعى الدمقرطة من بسط نفوذه الروحية على إفريقيا في ظل احترام سيادة الدول و مؤازرتها اقتصاديا، سياسيا و دينيا و هو النموذج الأوحد في العالم؛ بالإضافة إلى سياسته غير المسبوقة في الهجرة و ما يقدمه من خلال محاولة إدماج النازحين من الدول الأفريقية التي ترزح تحت التفقير و الحرب.
إن الفكر الفئوي الذي يميز القبائل و العشائر يغزو اليوم العواصم الأوربية أكثر من أي وقت مضى؛ فحالة الذعر و الخوف التي أصابت شعوبها عقب تتالي الهجمات الإرهابية يشعل فتيل خطاب الكراهية الذي تبنته أحزاب اليمين المتطرف، و يسقطها في نقيض الديمقراطية و المساواة التي بنت عليها مجدها…
إن انسياق الإعلام الأوربي وراء الخلاصات الأمريكية الجاهزة للتسويق كالبورغر و الأكلات السريعة غيب صوت العقل الأوربي العميق.

و لا زلنا نذكر تصريحات “جورج سار” الكاتب الأول لحزب اليسار الاشتراكي الفرنسي “الحركة الجمهورية المواطنة MRC ” إذ ناشد اللندنيين بعدم التسرع و الانسياق وراء الأطروحة الأمريكية الجاهزة حول صراع الحضارات بل البحث والتحليل للأسباب الحقيقية لهذه الضربات…

إن فرنسا التي تصدى مجلسها الدستوري لنظام التمييز الإيجابي للنساء حفاظا على روح المساواة للمواطنين أجمعين ووفاء لمبادئ الثورة، لهي أحق بأن تتجنب خطاب الفئوية و تلجم تمادي تشتيت الشعوب باسم الطائفة الدينية أو العرقية.
و لعل الأوان لم يفت عوض مساندة حروب الدمار و الانشغال بالبحث عن مقاسمة أمريكا كعكة إعادة الإعمار و تسليح الطوائف و المليشيات لتحدد أوربا لنفسها مسارا جديدا يليق بتاريخها الممتد لقرون من أجل ردع سياسة الفوضى الخلاقة و التدخل في خصوصية و سيادة الدول القائمة الذات، و إنهاء النزاعات في بؤر التوتر لأن الفتيل العشائري امتد للأسف لديارها و إنما الخطاب الاعلامي عقب الضربات الإرهابيةالتي تعرضت لها كشف كم هو هش تماسكها الاجتماعي و كم سوغ النظام العالمي الجديد القفز على كل ما بنته أوربا من قيم إنسانية نبيلة على مر قرون!

كما أن أولئك الذين استخدمتهم قوى الإرهاب و جندتهم إنما هم أبناء أوربا و نشأوا فيها قبل أن يكونوا أبناءنا.
كما أنه في ظل ما يقدمه المغرب من انخراط لا نظير له في الأمن العالمي بخبرته التاريخية و نظرته الاستشرافية أيضا،
مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإنتماء القبلي في جنوب أوربا كما عندنا في الصحراء قد يشكل أرضية خصبة لإجهاض الأمن في المنطقة بما في ذلك أوروبا اذا أحس أن انتمائه للوطن الأم الذي هو المغرب أصبحت تتقادفه المصالح و أصبح في خطر. ..
فحذاري من مساندة النزاعات الصغيرة و إفلات سيادتنا على صحرائنا لأن أمن المغرب هو أمن أوربا؛ و لنوقف النزيف معا لأجل سلامنا جميعا تحت أي دين أو عرق في الشمال كما في الجنوب.
ــــــــ
باحثة في القانون العام