من العمق

لغروس: فتح التحقيقات دون إعلان نتائجها من استخفاف الدولة بمواطنيها

أين نتائج تحقيق إنزكان؟ وأين نتائج التحقيق في تعنيف البرلماني عبد الصمد الإدريسي؟ أين نتائج التحقيق في فاجعة تيشكا الثانية التي راح ضحيتها 8 أفراد؟ أين وصل التحقيق في محاولة اغتيال عضو مجلس مدينة سلا قاسم النعايمي؟ أين وصل التحقيق في تعنيف العديد من المحتجين ومنهم صحفيين في العديد من التظاهرات… وقد تابعنا جميعا وسم “هشتاج” (فين وصل تحقيق طانطان قبل الإعلان عنه، وفين وصل تحقيق كذا وكذا وكذا)… إنها وقائع وأحداث تعكس خللا كبيرا في التعاطي الأمني / الحقوقي للدولة مع مثل هذه الوقائع كما تعكس وجود خلل في ذاكرتنا الجمعية، والتي سرعان ما تنسى بالتفريط في مثل هذا الحق في المعلومة خاصة ما ارتبط منها بالكرامة والحقوق والمواطنة. 

إن إعلان الدولة في شخص أحد أو عدد من أجهزتها فتح تحقيقات وأبحاث أمنية وقضائية في العديد من النوازل والقضايا، دون إتمام التحقيق فيها أو بعبارة أدق دون إعلان نتائجها للرأي العام، يعد دون أدنى شك أحد مؤشرات استخفاف الدولة وتلك الأجهزة بالمواطنين.

إن واقع الإعلان عن تحقيقات دون إغلاقها أو دون إعلان نتائجها، يؤشر على استمرار وإعادة انبعاث عقلية متسلطة ومستخفة بالمواطنين وهي عقلية لطالما أعلنت الدولة عن رغبتها في القطع معها، بل أطلقت مبادرات عدة تعبيرا عن تلك الرغبة، بغض النظر عن الذهاب في تلك المبادرات إلى النهاية أو تعرضها للعرقلة أو الإلتفاف أو المعالجة التجزيئية (ملف الإنصاف والمصالحة نموذجا وموقع التيار السلفي).

من القراءات التي قد تفهم من سلوك الدولة هذا، هو أن عددا من تدخلاتها الأمنية مثلا تكون مقصودة وعن سبق إصرار وترصد بالمحتجين، وعندما تتعالى الإدانات والاستنكارات وتتحول الواقعة إلى قضية رأي عام…تسارع الجهات المعنية بالفضيحة إلى محاولة لملمة الكارثة بالتهوين منها تارة وباتهام المحتجين تارة أخرى، وبآليات عديدة منها حكاية إعلان فتح التحقيق وترتيب الجزاءات وهو الإعلان أو التصريح الذي سرعان ما يذهب أدراج الرياح حتى لو تم تحت سقف مؤسسة تشريعية اسمها البرلمان. وهو ما يعطي لتلك الإعلانات صبغة استخفافية تروم امتصاص الغضب لا أقل ولا أكثر.

إن مسؤولية إقبار التحقيقات أو عدم إقفالها أو عدم إعلان نتائجها لا تتحملها أجهزة الدولة فقط بل إن المتضررين أنفسهم وعموم الهيئات المدنية، وخاصة الحقوقية بما فيها الرسمية والتي على رأسها أناس لا يتوقف ضجيجهم عن الحديث عن الحقوق والحريات وعن مبادئ باريس ونيويورك وبلا بلا بلا، هؤلاء أيضا مسؤولون بسبب الثقب الحاصل في الذاكرة، فلا المعنيون صرخوا وراسلوا وفضحوا هذا الأمر، ولا المناصرون وحماة الحقوق تابعوا الأمر، وللأسف حتى نواب الأمة المحصنين من متابعات قد تطال صحفي فقط لأنه وجه الأصبع اتجاه الداء…رغم ذلك لا يحركون سؤالا شفويا ولا كتابيا للسؤال عن مصير التحقيقات التي فتحت ولم تعلن نتائجها وعلى الأقل التي أعلنت أو أشير لها تحت قبتهم المباركة “كارثة إنزكان نموذجا”.

إن هذه المعضلة هي أحد أوجه المشكل الكبير في المغرب، اسمه الحكامة الأمنية والذي لم نراه حتى اليوم يتصدر اهتمام وانشغالات لا هيئات رسمية ولا غير رسمية، رغم أهميته وحساسيته لارتباطه المباشر بكرامة وقيمة المواطن في بلده، نعم هناك تحركات مطمئنة في المشهد العام (المصادقة على الاتفاقيات الدولية، تراجع حالات التعذيب، والإجراءت المواكبة للقضاء عليه، حضور الهيئات الدولية، ورش إصلاح العدالة…) لكن على مستوى الممارسة ما يزال ظهر المحتج غير محمي وما تزال جماجم الصحفيين معرضة للجلد في أي تظاهرة وفي غياب أي وسيلة لانتصار الحق والعدالة ورفع الظلم وعدم الإفلات من العقاب.