وجهة نظر

حكومة بن كيران: الإكراهات الداخلية وضغوط الواقع الاجتماعي

تضم حكومة بن كيران خليطا غير متجانس من الأحزاب السياسية المغربية، ذات إيديولوجية مختلفة إن لم نقل متناقضة، حزب التقدم والإشتراكية مثلا كما هو معروف تاريخيا بمذهبه الشيوعي، نجده اليوم يتحالف مع حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية، إضافة إلى الأحزاب الأخرى (الحركة الشعبية، التجمع الوطني للأحرار، حزب الإستقلال في الحكومة سابقا)، فأمام هذا المزيج غير المتجانس من الألوان السياسية، يستعصي علينا أن نجد قرارات سياسية منسجمة داخل هذه الحكومة التي أشرفت على نهاية ولايتها في تسيير شؤون البلاد، فانطلاقا من اختلاف الألوان السياسية للحكومة، ظهرت مفارقات في الخطابات السياسية والبراغماتية الحزبية، فقبل أن نتكلم عن النضج السياسي، لا بد من وجود أحزاب نزيهة ووازنة تهمها مصلحة الوطن، كما يقول بن كيران : (الوطن أولا…لابأس أن يخسر حزبنا ويربح الوطن).

فما دمنا نعيش ما يطلق عليه العبثية الحزبية، لا يمكن أن نتكلم عن مصلحة البلاد والعباد، وكذلك مما ساهم في تشويه السياسة بالبلاد الولادة غير الشرعية لبعض الأحزاب المغربية، فمنها ما جاء كرد فعل، ومنها ما جاء تحت الإملاءات، ومنها ما جاء لحماية مصالح فئة معينة، ومنها ما جاء لخلق الفتنة، ومنها ما جاء لأغراض لا يعلمها إلا الله، المهم كما جاء في حديث سيدنا عمر: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسولة فهجرته إلى الله ورسوله…)، فالدول المتقدمة لا تعرف أعدادا كبيرة من الأحزاب السياسية، فكما تعلم أخي القارئ الولايات المتحدة تسير بحزبين فقط جمهوري وديمقراطي، أما بلدنا الحبيب تعددت الأحزاب، واختلف أهل الحل والعقد، وتاه المواطن من أي باب يدخل، وتأخر الوطن في السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة، وأصبح لنا شعار (كل حزب بما لديهم فرحون)، ولأنين المواطنين لا يسمعون، وبأموال الشعب يتمتعون، وعن مصالح البلاد لاهون، وبعد الإنتخابات منا منتقمون.

كلمة لا بد أن نؤكد عليها، ما دامت لنا نخبة سياسية تحكمها المصلحة الشخصية، وتتكلم باسم الوطنية عن هموم البلاد، لا يمكن أن نقفز خطوة إلى الأمام، فمثلا هذه التجربة الحكومية لا نطمئن لحالها مادامت تشهد هذه النماذج، إضافة إلى الإكراهات الأخرى ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

الإكراهات الداخلية:

– طبيعة بعض الشخصيات الذين تحملوا حقائب وزارية مهمة، فمنهم المجهول، والمغمور، والمعلوم بشيء ما!

– التركة الثقيلة من مخلفات الفساد الإداري والمالي والاجتماعي والتعليمي لسنوات قديمة من تجارب حكومية سابقة مُنذ الاستقلال!
– شركاء حكومة بن كيران منهم من وضع رجل في الأغلبية والأخرى في المعارضة، وهذا نلمسه في تباين مواقف الحكومة في مختلف القرارات، (شي يشرّق وشي يغرّب).

– غياب معارضة منسجمة وقوية في نقاش البرامج والقضايا الوطنية، وظهور النقاشات الشخصانية التي تدل على المراهقة السياسية، من قبيل الإفتراءت وتشويه الأعراض.

– العشوائية في التدبير والتسيير، فأهم القطاعات الحيوية التي يمكن أن تحقق بها البلاد الإقلاع تشهد مشاكل بالجملة، التعليم مثلا في ظرف قياسي عرف هذا القطاع قرارات تضرب في عمقه، من فرنسته إلى إصدار المرسومين وما واكب ذلك من حراك واحتقان سياسي، (كلشي باغي يركب على الملف والمواطن هو الضحية).

– ربط فشل الدولة في بعض القضايا بشخصية بن كيران حتى أن بعضهم يعلق تأخر المطر بسببه لكونه لا يحسن التدبير السياسي للبلاد، ومن الحماقات السياسية قول بعضهم أن زيارة بن كيران لبعض الدول، كان سببا في نزول الكوارث بهم.

الضغط الاجتماعي:

فأما إن أردنا أن نتكلم عن الوضع الاجتماعي فالكلام يطول بِنَا ولا نحدّه طولا وعرضا، فقد قال الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله أن المغرب يعيش على إيقاع السكتة القلبية، فهذا دليل يكفي على أن أجهزة الدولة مهددة بالتوقف، مما يؤدي إلى احتقان اجتماعي، وظهور حركات احتجاجية، فمن حض بن كيران التّعس أنه جاء في ظروف صعبة لا تساعده في عملية الإصلاح. جاء في بداية ولايته معلنا شعاره محاربة التماسيح والعفاريت، لكن سرعان ما تغير الايقاع (خونا بدا يطلب السلة بلا عنب)، وقال عفا الله عمّا سلف وعن محاربة الفساد تخلّف.

فرغم الإصلاحات التي قام بها يبقى بن كيران عنوانا للزيادات الصاروخية، فالإعلام قدم للمواطنين نظارات من نوع خاص، لم ينظر الناس لابن كيران إلا عن كونه رمزا للزيادات…

عند البقال بن كيران، وعند سائق الطاكسي لا تسمع إلا بن كيران، في الشارع العام بن كيران، حتى أصبح ظاهرة سياسية، وربما هذا يسبب الإزعاج لخصومه، رغم أن هذه الشهرة لم تكن بالمعنى الإيجابي، حيث ينظر إليه على أنه صاحب الزيادات فقط، فلا يستطيع الناس أن يتكلموا عن بعض الإصلاحات التي قامت بها حكومته في عدة مجالات بجانب من العدل والإنصاف، (واش كاع بن كيران مادار شي حاجة زوينة تذكر؟؟)

إذن أمام هذه الإكراهات الداخلية التي تعرفها حكومة بن كيران، وهذا الاحتقان الاجتماعي يجعل مهمة رئيس الحكومة تكون صعبة جدا يصعب معها الإصلاح المنشود.

فاللهم هيىء للبلاد الخير وتوحيد شمل قادتها لصلاحها ونهضتها أمين .