منوعات

بويخف يكتب: القضاء هو المخرج من النفق المسدود لملف “أساتذة المستقبل”

لا يختلف اثنان حول كون ملف “الأساتذة المتدربين” دخل النفق المسدود، فالحكومة أعلنت بشكل رسمي وفي أكثر من مناسبة أنها قدمت العرض الذي تعتبره الأقصى في هذه النازلة وأنه لا تراجع عن “المرسومين”، والأساتذة المتدربين أعلنوا بشكل رسمي أيضا وفي أكثر من مناسبة أنهم متشبثون بما يعتبرونه مطلبهم الرئيسي وهو “لا تنازل عن مطلب إسقاط المرسومين”.

الموقف الحكومي واضح في التشبث بالقانون، على اعتبار أن الأساتذة وقعوا الاتفاق الذي بموجبه أصبحوا في عداد المتدربين، وأنها لا يمكن أن تخالف القانون. وبهذا الموقف تؤكد أن “الحل” ليس في “إسقاط” المرسومين، وأن هذا الخيار هو من المستحيلات. وبغض النظر عن البعد القانوني الذي تعلن الحكومة التمسك به، فالملف له أيضا بعد سياسي محرق، فأي تنازل عن هذا الموقف المشدد على الالتزام بما تراه الحكومة قانونا يعني حق كل الذين تم استبعاد الاستجابة إلى مطالبهم في التوظيف المباشر في التعامل بالمثل، مما يعني إعطاء الحجة السياسية والدليل العملي اللذان سيضفيان الشرعية السياسية والقانونية أيضا على مطالب التشغيل المباشر، مما يعني إعطاء زخم وقوة قد تكون غير مسبوقة لاحتجاجات العاطلين.

موقف الأساتذة المتدربين أيضا تمسك بقراءة قانونية تطعن في المرسومين، وتعتبرهما غير قانونيين وبالتالي لا يلزمانهم بشيء، على اعتبار أن التوقيع على المرسومين تم قبل أن يصدرا في الجريدة الرسمية. وهذا ملحظ قانوني مهم من الناحية الشكلية، دفع به كثير من المراقبين والفاعلين والوسطاء أيضا، وخاصة النقابات.

الصورة السابقة تعني أن الفيصل الحقيقي في الملف ليس لغة الشارع التي اختار المحتجون التصعيد فيها بإعلانهم الدخول في اعتصام مفتوح في الرباط، ولا لغة عنف عناصر الأمن و بيانات الحكومة وخطاباتها مهما تسلحت بالمنطق القانوني والمؤسساتي. في مثل هذه المنازعات التي تكون حول قانونية موقف طرفين يكون القضاء هو الفيصل، بمنطق القانون نفسه، وبمنطق النضال أيضا.

فإذا كان الأساتذة المحتجون يرون أن المرسومين غير قانونيين، وترى الحكومة بالعكس أنهما أساس التعاقد الذي ينظم علاقتها بهم، فلا حل بالمطلق سوى في مؤسسة القضاء. لكن لماذا لا يلجأ الطرفان إلى القضاء؟ فكلاهما متضرر! الحكومة متضررة باستمرار الاحتجاجات، وشل برنامج حيوي يهم قطاعا هشا، مما يهدد بإرباك قوي للموسم التعليمي القادم. والأساتذة يحتجون أصلا لأنهم يرون أنهم متضررون من إلزامهم بمرسومين يطعنون في قانونيتهما. وقرار القضاء في مثل هذه النوازل هو الفيصل الذي ينبغي أن يطلبه الطرفان.

لكن، لماذا لا يلجأ الطرفان إلى القضاء؟

سؤال حيوي لا يمكن تجاهله في الأزمة الحالية بين الحكومة والأساتذة المتدربين.

من جهة الحكومة قد ترى أن المحتجين هم من يجب أن يلجأ إلى القضاء، على اعتبار أنها مؤسسة عمومية المواطنون هم من يقاضونها وليس العكس. غير أنه في حالة الانسداد الذي يعرفه الملف، وغياب مؤشرات إيجاد حل خارج قرارات القضاء، فاللجوء إلى القضاء ضرورة من شأن الحكم فيها، إن كان لصالحها، أن يشكل ضغطا على المحتجين، خاصة وأن لهم تنسيقية وطنية تمثلهم، وسبق استقبال أعضائها من طرف رئيس الحكومة ومن طرف العديد من الفاعلين.

من جهة الأساتذة المحتجين، اللجوء إلى القضاء مستبعد في خطابهم العام رغم أن سبق وطلب منهم ذلك، وإلا كيف يختارون التصعيد في الشارع إذا كانوا يومنون بقانونية موقفهم ومطالبهم؟ ويمكن افتراض عدم اقتناعهم بالطعن في قانونية المرسومين. وبالفعل فعدم نشر المرسومين في الجريدة الرسمية قبل التوقيع قد يكون ضد المحتجين أيضا، على اعتبار أن عدم قانونية المرسومين لا يعني توظيف كل المتدربين دفعة واحدة، كما يطالب بذلك المحتجون، بل قد يعني أن توقيع الأساتذة غير قانوني، وبالتالي تبطل العقود التي تثبت وضعيتهم وتسقط عنهم بالتالي صفة الأساتذة المتدربين، مما يستوجب إعادة المباراة لاختيار فوج جديد من الأساتذة المتدربين وفق المرسومين، مع حقهم في المطالبة بالتعويض عن الضرر.

كيفما كانت الاعتبارات التي تحكم الطرفان، فالمنطق القانوني والسياسي الذي يحترم المؤسسات، ومنطق المواطنة ودولة الحق والقانون، كل هذا وغيره يفرض الاحتكام إلى القضاء لا إلى الشارع بالنسبة للمحتجين، ولا إلى المدافعة السياسية أو العنف بالنسبة للحكومة.

فهل يجرؤ أحد الطرفان لفسح المجال لمؤسسة دستورية هي العليا في المنازعات وفي رفع الظلم، وفي كف الأذى؟