وجهة نظر

“ريجيني” القشة التي قصمت ظهر مساواتهم

عودة إلى قضية مقتل الطالب الباحث ذو 28سنة”جوليو ريجبني”، وهو بالمناسبة إيطالي الجنسية وله توجه يساري، وكان موضوع بحثة حول نقابات العمال المصريين، وهذا موضوع حساس في ظل أوضاع البلاد بعد الانقلاب واشتداد الأزمة الاقتصادية، في الحقيقة مقتل شخص واحد لا يثير الانتباه في بلاد يقترب عدد سكانها من100مليون نسمة ، فهناك آلاف القتلى والمختفين المصريين بسبب دموية النظام الانقلابي، فلماذا إذن هذه الضجة بعد مصرع الطالب الإيطالي ” ريجيني”؟. 

لقد انهالت الصحف الأوروبية الكبرى بكل أنواع التهم على نظام “السيسي”الإنقلابي وحملته مسؤولية مقتل الطالب الإيطالي ، ولم تلتمس له عذرا بدعوى محاربة “الارهاب” كالمعتاد، فصحيفة “الأندبندت” البريطانية اتهمت النظام المصري بتصفيته، وأضافت الصحيفة أن فريق البحث الإيطالي توصل إلي شاهد عيان قال:”..أن اثنين من ضباط الشرطة المصرية بزي مدني وراء القبض عليه قبل مقتله بعدة أيام”، ومن جهة أخرى لم يعترف الأوروبيون بلجان البرلمان المصري وتحقيقاته، وشككوا في نزاهة تحريات الداخلية وطعنوا في مصداقية نتائجها، ولم يقتنعوا بتبرير السيسي الذي قال :”..أن مقتل جوليوريجيني حادث فردي معزول..”، كما تدخل برلمان الإتحاد الأوروبي أخيرا وحمل النظام الإنقلابي مسؤولية مقتله، حيث صوت النواب الأوروبيين بأغلبية ساحقة على تورط جهاز المخبرات المصرية في تصفية”ريجيني”، ولم تقتنع وزارة الخارجية الإيطالية برواية النظام الإنقلابي، وطالبته بمزيد من الجدية وكشف الحقيقة كاملة.

عجيب أمر الأوروبيين فقد أظهروا وجههم الحقيقي بعد مقتل شاب أوروبي، وانكشف ادعائهم المساواة بين كل البشر كما يزعم قادتهم دائما، أنا ضد التصفية الجسدية للمدنيين كيف ما كان جنسهم ولونهم أو ديانتهم، لكن شيء من المنطق ألم تتحول أوروبا “التقدم” إلى مجرد قبيلة تنتصر لمقتل فرد من عشيرتها؟، إنني لا أرى فرقا بينها وبين قبيلة الـ”الزولوإنكاطا” بجنوب إفريقيا، أو قبيلة “الطوارق” في غرب إفريقيا أو قبيلة “اتبو” بليبيا..، إن النظام المصري الإنقلابي قتل الآلاف في “رابعة” ، وقام بتصفية العشرات من قيادات المعارضة، كما قام القضاء المصري المتواطئ بتسجيل رقم قياسي في إصدار أحكام الإعدام بحق قيادات ” الإخوان المسلمين”، فالإنسان هو الإنسان سواء كان أوروبا أو إفريقا أو آسيويا..، فلماذا صمت الأوروبيون عندما وقع الإنقلاب واعتقل الرئيس الشرعي المنتخب وقتل الآلاف؟ فهل كان الأوربيون في المريخ وعادوا لتوهم؟ هل تحركهم كان مرهونا بتصفية ابن قبيلتهم المصونة “أوروبا”؟.

لقد قام الجنرال السيسي بغلطة عمره عندما قام جهازه الأمني بتصفية “جوليوريجيني” الإيطالي الجنسية، ولسان حاله يقول :”..اقتلوا الجردان المصريين ولا تقربوا الأجانب ذوي العيون الزرق لا نريد مشاكل..”، فتخيلوا معي لو كانت أسماء معارضي النظام الإنقلابي أعجمية مثلا كـ اسم الرئيس محمد مرسي هو”محمديني مورسيني” واسم القيادي محمد البلتاجي يصبح” محمديني بلتاجيني” ، في نظري هذه الأسماء الأعجمية كافية بدفع” البلى و البأس” عن حاملها، لقد كنا ننتظر من أوروبا وصحافتها وبرلمانها وأصحاب القرار فيها التحرك فور وقوع الإنقلاب،والإنتصار للرئيس الشرعي محمد مرسي، لكن تحركهم ضد الجنرال السيسي جاء مع الأسف الشديد متأخرا بسنوات، مما يشكك في دعمهم للربيع الديمقراطي المنتفض ضد الديكتاتورية والاستبداد، ويضع شعاراتهم في ميدان حقوق الإنسان والمساواة بين البشرفي مهب الريح، ومن جهة أخرى هذا السلوك يعضد فرضية دعمهم للأنظمة الفاسدة ولو بطرق غير مباشرة و سرية من “تحث الطاولة”. وبما أن السياسة مصالح كما يقال فأنا لا ألوم الأوروبيين، بقد ما أنبه بني جلدتي من الإستمرار في اعتبارهم “ملائكة الرحمة” والمساواة”المطلقة”.

خلاصة القول أن الغرب لم يعد ملهما للشعوب المطالبة بالحرية و الإنعتاق من ربقة الإستبداد، ولم يعد مؤتمنا على حقوق الرجال والنساء، فهذه عنصرية وتمييز ولو كان هذا الأخير هو جوليوريجيني من إيطاليا، فلا فضل للأبيض على الأسود إلا بالتقوى..