وجهة نظر

الحركة الطلابية من المأسسة إلى “البيدقة”

طالما لم تعد الحركة الطلابية أو قل على الأقل الجزء اليسير منها الذي لازال “عذريا” و فيه بصيص ضياء قليل، غير قادرة على مناقشة الأسئلة التي تتولد من رحم الجامعة ومن مطارحة القضايا التي تعكس بعمق هوية الطالب وتفرزه عن الآخر المرتبط والمرتهن بلحظة سياسية عابرة في تاريخ سياسي قذر كله إقبار للجامعة والطلاب وكله توظيف برغماتي نزق وضيق لهم أفقدهم حريتهم ومصداقيتهم ودورهم “التقدمي” وهويتهم الطلابية ..

حين يتم فرض مواضيع وقضايا مرتبطة بسياقات أخرى وبفاعلين آخرين في مجلات أخرى غير منبثقة من صلب الجامعة والطلاب، حينها فقط يبدأ مسلسل “البيدقة” من طرف “المؤسسة” التي وإن ادعت انصهارها في فئة الطلاب فلا يمكن لها موضوعيا إنكار ارتهانها بفاعلين آخرين حاملين لرؤى ومشاريع أخرى بالخصوص سياسية وإن بدا أن هناك تكاملا بينها، لكن الخطر أنه بهذا المنطق تلغي حرية الطلاب أنفسهم في النبش والحفر في القضايا التي تهمهم بشكل حر ومستقل وتجعلهم بيادق وفقط!! في تصادم تام مع دورهم الجوهري في التقدم والسبق للتأثير وتوجيه الفاعل السياسي الذي الأصل فيه أن يرخي أذنه للجامعة و للطلاب حتى تتضح رؤيته ويسمع النقد الذي يقومه لا أن يكون الفارس الذي يعتلي منصة الطلاب ويلقي كلامه الخشبي الركيك على مسامعهم ليعتلي بعدها سيارته الفارهة للعودة للرباط ولم يسألهم حتى هل صرفت منحتهم والعام قد انقضى.

إننا نعيش تضخم حقيقي لدور الفاعل السياسي على الفاعل الطلابي وظاهرة “القبعة المزدوجة” لكثير من من يقود العمل الطلابي وغزوا أصبح يشنه هذا على الأخير على الجامعة كفضاء لتجيش المريدين وإلقاء الخطب العصماء بذل التجاءه إليها كفضاء للاستماع للنقد واستشعار نبض الطلاب الذي يجب أن يكون هو الموجه لمسار السياسة لا أن تكون السياسية هي التي تستغله وتستغبيه.

هذا التضخم المقلق واضح وجلي في نوعية القضايا والشعارات التي أصبحت تطبع ملتقيات القلة المضيئة المتبقية من الحركة الطلابية المتشرذمة، التي هي قضايا شاعرية رومانسية حالمة بعيدة عن عكس عمق اهتمامات الطلاب وكنه المعارك الطلابية الحقيقية وطبيعة الخصوم الحقيقيين للجامعة والطلاب فهي شعارات رنانة نعم!! جذابة نعم!! تجارية نعم نعم!! عناوين غير مراعية لسياق نزولها وتعكس التماهي الكبير الحاصل بين القيادة الطلابية التي استنفذت زمنها الطلابي وتعيش الوقت بدل الضائع حتى صار تفكيرها وطموحها السياسي غالبا عليها فأصبحت غير قادر على استيعاب القضايا الحقيقة للجماهير المنضوية تحث لوائها وحاجيتها الأساسية وهذا خطر محذق أن يصبح الطلاب بيادق يخوضون معارك “بالنيابة” عن الفاعل السياسي في قلب الجامعة مع أنه لا ضير بل من الواجب أن تتكامل الوظائف بين الفاعل السياسي والفاعل الطلابي خصوصا إذا كانا منطلقين من نفس المرجعية لكن الذي ليس مقبولا ويهدد وجود الفاعل الطلابي هو تبعيته الممنهجة للخط الذي يرسمه السياسي بشكل يجعله فاقدا للحرية والاستقلالية والموقف فالهوية.

إن الدعوة لوفاق تاريخي من أجل بناء الديمقراطية في هذا السياق بالذات هي دعوة بقدر ما تعكس رومانسية حالمة وواقعية غائبة وغبش في الرؤية عند البعض بقدر ما هي دعوة غير أخلاقية وغير مبدئية في العمق، هي بحث عن نزع اعتراف من الآخر العدمي الذي لازال يعيش في زمن السفخوزات والكلخوزات وزمن المخطط الخماسي لستالين، هي دعوة تجارية إعلامية بحثا عن “السبق” في الدعوة للحوار للتبجح به وليس سعيا لتكريسه كمبدأ أصيل، هي دعوة تسعى لتزكية تجربة سياسية قصيرة جدا في ديمقراطية عليلة، هي دعوة إلى الهروب إلى الأمام، هي تناقض صارخ، هي ترجمة لبؤس السياسة والتاريخ والجامعة هي فقط دعوة اليائس من الوفاق !