وجهة نظر

عقدة انعدام الجرأة لدى بان كي مون

يبدو أن الأمين العام للأمم المتحدة، لم يكن يتوقع، عندما قرر القيام بجولته إلى دول المغرب للإطلاع على ما آلت إليه مسألة الصحراء المغربية، أن يجد نفسه أمام عدد لا يعد ولا يحصى من الإحراجات السياسية والدبلوماسية في كل محطة من محطات تلك الجولة.

ولعل الإحراج الكبير الأول، هو عدم قدرته على زيارة المغرب، باعتباره الدولة الأساسية المعنية بقضية الصحراء والنزاع الإقليمي المفتعل حولها منذ استرجاع المغرب لأقاليمه الجنوبية من الاستعمار الاسباني منتصف سبعينيات القرن الماضي.

فقد اضطر بان كي مون إلى إلغاء المحطة المغربية من جولته، نظرا لأن ملك البلاد محمد السادس غير موجود، وليس ممكنا له، بالتالي، عقد أي لقاء معه بمناسبة جولته هذه. وليس خافيا على الأمين العام، أن تصريحاته ورسائله التي لم تكن حتى مشفرة بما فيه الكفاية حول هدف زيارته للمنطقة، هي التي سببت له، في نهاية المطاف، هذا الإحراج، لأن الملك محمد السادس الذي عبر في أكثر من تصريح ومناسبة خلال الفترة الأخيرة عن رفض المغرب لأي مقترحات جديدة يتم التحضير لطرحها سبيلا لحل النزاع، غير الحل السياسي المتوافق عليه من قبل مختلف أطراف النزاع، وتأكيده تصريحا وممارسة على الأرض أن أقصى ما يمكن للمغرب أن يقدمه هو مبادرة الحكم الذاتي الموسع للأقاليم الجنوبية. يعني انه لن يتجاوب مع أي مسعى يحاول إعادة النظر في المنهجية التي اعتمدتها الأمم المتحدة بعد قناعتها التامة بفشل خطة الاستفتاء.

وبطبيعة الحال، فإن جولة للأمين العام الأممي، لا تشمل المغرب، تعني أن كل ما ينجم عنها من توصيات واستنتاجات تظل ناقصة، ولا تعبر عن حقيقة الواقع في المنطقة وطبيعة الصراع الدائر فيها بين المغرب والجزائر بصورة جوهرية، ولو تم تقديمه على أنه صراع بين المغرب وجبهة البوليساريو الانفصالية. إذ يكفي أن يتابع المراقب لتطورات هذا النزاع، ولو لمدة قصيرة، ليقف عند حقيقة أن المسألة من أولها إلى آخرها هي مسألة صراع بين المغرب والجزائر.

وإدراكا من بان كي مون لهذه الحقيقة حول عدم جدوى جولته الراهنة إلى المنطقة، قرر، على ما يبدو، أن يدلي ببعض التصريحات الاستفزازية، علها تجد صدى ما على المستوى الإقليمي والدولي، وهذا ما يفسر حديثه، غير المسبوق وغير المسؤول، حول وصف استكمال المغرب لوحدته الترابية بالاحتلال. الأمر الذي جر عليه انتقادات من مختلف الأوساط الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها المغرب، بطبيعة الحال، الذي وصف تصريحات الأمين العام بكونها غير موضوعية واستفزازية.

ويبدو أن المغرب كان مستشعرا لهذا التوجه من بان كي مون قبل القيام بجولته هذه، لذلك تم التصرف بطريقة تجعل المغرب في حل من نتائج جولة غير ذات موضوع أصلا. ولسان حال المغرب ورسالته إلى بان كي مون واضحة تماماً: بما انك لا ترغب إلا سماع ما يرضيك حول قضية الصحراء لا غير، فلتذهب إذن إلى حيث لن تسمع إلا ما يرضيك في الجزائر وتندوف ولا بأس في كونك قد عرجت على نواكشوط. ولو كنت تريد حل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية حقا، لكان همك هو إسماع من يعرقل الحل هذه الحقيقة التي لا ترضيه. وهي

أولا: الإعلان الواضح والقاطع أن طرفي النزاع الحقيقي، هما المغرب والجزائر، وان البحث عن الحل لا يوجد خارج عاصمتي البلدين.

ثانيا، إن الحديث عن استفتاء تقرير المصير حديث خرافة، منذ سنوات طويلة. وإلا ما معنى دعوة مجلس الأمن الدولي إلى اعتماد طريق المفاوضات حول الحل السياسي المتوافق عليه إن لم يكن إقراره بفشل خطة تقرير المصير؟
غير أن بان كي مون، لا يملك الجرأة الكافية لقول ذلك للجزائر، معتقدا أن استفزاز المغرب بطريقته التي تنم عن انعدام وزن يمنحه بعضا من صفات الجرأة. وهنا تكمن معضلة أمين عام القلق الدائم والحزن الأكثر دواما.

حسن السوسي (لندن)