وجهة نظر

تركيا والسعودية.. سوريا مفازة أو مهلكة

لقد لخص الأستاذ بكلية قطر للدراسات الإسلامية “محمد المختار الشنقيطي” تعامل العرب والأتراك مع القضية السورية في هذه الكلمات:”تردد العرب والأتراك في مواجهة الأسد فتدخلت إيران، ثم ترددوا في مواجهة إيران فيها فتدخلت روسيا.. تأخير القرار الاستراتيجي عن وقته مَهلكة”. عن حسابه الرسمي بتوتير.

المَهلكة التي تسعى روسيا وإيران وحلفائهما من الإرهابيين( تنظيم داعش وحزب الإتحاد الديمقراطي الكردي بسوريا)-مع ضوء أخصر أمريكي-، لجعلها مصير تركيا والسعودية وباقي الشعوب العربية بالمنطقة، ومغنما لها وللغرب والكيان الصهيوني،يمكن تلخيصها فيما يلي:

– إعادة إنتاج نظام الأسد المجرم، فإن لم تكن له سوريا كاملة، فدويلة علوية في الساحل السوري عاصمتها دمشق.
– إقامة روسيا قواعد عسكرية دائمة على الساحل السوري، إن لم نقل أراضا دائمة تحت الانتداب الروسي تطل على البحر المتوسط.
– إقامة كانتون كردي على طول الحدود التركية السورية، مما يعنى تقوية لحزب العمال الكردستاني الإرهابي وتقوية أطماع أكراد الانفصال في تركيا.

– السيطرة الإيرانية على دول الخليج العربي، وإلحاق بعضها ب”الإمبراطورية الفارسية الوهم”، مع محاولة تفكيك المملكة العربية السعودية لدويلات، واحدة منها شيعية في شرق المملكة.

– تحقق حلم الكيان الصهيوني المحتل في تفكيك البلدان العربية المحيطة بها، وجعلها دولا ضعيفة و ممزقة إلى أبعد حد.
– ضمان الغرب لمصالحهم الكاملة في الشرق الأوسط، ولكن براعي جديد هو” إيران ما بعد الاتفاق النووي”.
– و طبعا إذا سقطت الشام، سقطت مصر وما وراءها.

وليتجنب العرب وتركيا هذه المهلكة، فعليهم فعل ما لم يفعلوه في وقت القرار الحاسم قبل التدخل الروسي الوحشي- والذي لا نشك أن مصيرها سيكون أفغانيا في سوريا-، وهو التدخل العسكري القوي والذي يدحر بقايا قوات الأسد ويردع إيران، ويجعل الطائرات الروسية تحسب ألف حساب قبل التفكير في قصف الثوار والمدنيين.

نعم يبدو هذا الكلام غير واقعي لأن روسيا تسيطر على الوضع في سوريا، ولأن أمريكا لاتريد التورط في مستنقع سوريا عسكريا- وإن تورطت إنسانيا وسياسيا وظهر نفاقها وتخاذلها- كما لا تترك حلفائها على الورق- تركيا والسعودية وقطر- لتدخل عسكريا تحت غطائها أو بإمداد الثوار بأسلحة نوعية، أي أن الخيارات أمام تركيا والسعودية أصبحت قليلة، والوقت الآن كله في صالح الأسد وإيران وروسيا، إذن لابد لحلفاء المعارضة السورية من قرار استراتجي سريع فاعل، ولو كان ضد رغبة أمريكا وإلا فإن الأمن القومي التركي والسعودي والعربي في خطر حقيقي، وسيكون مزيد من التردد والتأخير مهلكة “لا قدَر الله”.

لقد حكم كثير من المحليين السياسيين بفشل محادثات”جنيف3″ قبل انطلاقها، وكذلك كان، ولو نجحت لكان نجاحها على حساب دم الشعب السوري وثورته بالدرجة الأولى، وبالدرجة الثانية على حساب حلفاء المعارضة السورية والثوار وخصوصا تركيا والسعودية، لذا ففشل “جنيف3” هو في صالح المعارضة وحلفائها بنسبة معينة، لعلها ترتب أورقها وتوحد صفوفها بشكل أفضل وأقوى.
لايعني هذا إقصاء المحادثات الدبلوماسية والسياسية ولكن لابد لها من قوة فاعلة رادعة على الأرض، لتجعل المفاوضات انتزاعا للحقوق وتحقيق للمصالح، بدل تقديم التنازل وأخذ الإملاءات والأوامر.

وبالتالي فإن العمل العسكري هو أحد الحلول في سوريا، وهذا ما أصبح أمر واقعيا وواضحا للأتراك والسعوديين، والذي ينظر السوريون والعرب وأصدقاء سوريا الحقيقيون إلى التقارب التركي السعودي بتفاؤل، يرجوا كلهم أن يتمخض عن تغيرات سياسية وعسكرية على الأرض السورية.
يمكن لتركيا والسعودية لعب ورقة السلم العالمي مقابل أمنهما القومي، وخصوصا أن تصريح رئيس الوزراء الروسي ميدفيديف حول حرب عالمية ثالثة بسبب سوريا، أرى أنه تصريح يدل على أن “جمرة سوريا” أصبحت تحرق “يد روسيا”، لذا روسيا تئن الآن بصوت خفي، روسيا تعرف أنها لا تقدر على حرب باردة فبالأحرى حرب عالمية ثالثة.

الأمر هو مسألة وقت، وتنهار روسيا أمام الضغوط الاقتصادية وانخفاض أسعار النفط، وانهيار الروبل، وتضخم نفقاتها العسكرية في سوريا، وارتداد أثر عقوبتها المفروضة على تركيا على اقتصادها، حيث كانت تركيا متنفس كبير لروسيا أمام العقوبات الروسية، أما اليوم فأصبحت أمام عقوبتين، واحدة من الغرب والثانية بيدها، وننتظر الثالثة من الله تعالى نصرة لأهلنا في سوريا،لكن ليسعى العرب في أسبابها.

نعم النصر صبر ساعة، لكن مع اتخاذ الأسباب الكونية والشرعية وإتقانها مع اعتماد القلب على الله تعالى، وهذا هو التوكل الحقيقي على الله تعالى، والذي خرج به أهل الشام في ثورتهم أمام المجرم الأسد، وسينالون مرادهم قريبا “إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا”.
قال الله تعالى: ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه) سورة الطلاق من الآية”3″.