وجهة نظر

نحو نقاش فيسبوكي عميق

حينما كنت أدعم ما كان ينشر حول قضية ”جوج فرنك” وأستفسر عن السبب الذي جعل من وزيرة أن تتكلم بتلك اللغة، و تستهزئ من مقابل مادي يعتبره جل المغاربة غنى و”خير الله”، كنت أحذر أيضا من أن يسبح المتتبع الفيسبوكي النشيط، والذي يتعامل مع القضايا الراهنة بعاطفة أكثر، كنت أحذر من السباحة السطحية وأدعو إلى نقاشات أعمق، تهم ما وراء الكلمة التي نطقتها الوزيرة، و مناقشة الإجراءات الكفيلة بحل أزمة المعاشات، وبالموازاة مع الانتقاذ والهجوم، إعداد مجموعة مطالب واضحة، أو آراء منظمة لتعويض المشكل بحل، بدل الإنجرار وسط التيار بدون بديل.

اليوم أرجع لنفس المنطق وأعيد السؤال، هل فعلا يتعامل الفيسبوكي مع كافة القضايا بعمق، ويحلل المعلومة والقضية، أم يتعامل معها حسب منظومة الإستهلاك، والتلقي، والعاطفة.

المتتبع للنشطاء الفيسبوكيين، كبارا وصغارا، صفحات وحسابات خاصة، يعي أن الجواب على السؤالين السابقين هو بالسلب، حيث أن قضية ”85 مليار” كمثال، والتي تم الترويج لها لفترة بسيطة، لم تأخد نفس الزخم الإعلامي و”الفيسبوكي” كسابقاتها من قضايا ”زلات اللسان”، رغم أن مبلغ 85 مليار و72 مليون سنتيم الذي كشفت عنه جامعة ”الكورة” لا يستطيع متتبع للرياضة الوطنية أن يفهمه، أو أن يعي كيف يمكن أن تنفق الجامعة الملكية لكرة القدم مثل هذا المبلغ في مدة لا تتجاوز السنتين والنصف، وأن تتحفظ على إخراج تقريرها المالي للصحافة وللرأي العام، هذا الغموض يحيلنا على المعايير والإستراتيجيات التي يضعها القجع ومن معه في صرف هذه الأموال، خصوصا وأن أداء المنتخب يبقى جد ضعيف رغم أن الجامعة لا تكف عن القول بأن هذا راجع لضعف المدربين الذين أشرفوا على تسييره.

هذه النازلة التي كان بطلها فوزي القجع، والتي كان على ”سكان الفيسبوك” كما يصفهم رئيس الحكومة أن يثوروا ضد صاحبها، خصوصا لتحريك الجمعيات الحقوقية التي تهتم بحماية المال العام، والمجلس الأعلى للحسابات باعتباره آلية رقابية تهتم بالطرق التي يتم بها صرف المال العام، لمعرفة خبايا تقرير القجع المالي، والتعرف على ”الأشياء الأخرى” التي وصفتها الجامعة حسب أخبار نشرتها مواقع متفرقة حول التقرير المالي، تقول فيها أنها بقيمة 636 مليون سنتيم، فالمتتبع لتقارير المجلس الأعلى للحسابات، يعلم أنه قد تم متابعة العديد من الجمعيات التي لم تستطع توضيح مبالغ صغيرة، بيد أن المتابعة لم تطل لحد الآن الجامعة، ولا حتى فتح تحقيق في الأمر، هذا الشيء الذي يدعونا للتفكير في العلاقة التي تربط رئيس الجامعة بهيئات وجمعيات والتي كانت لأمد قريب تحارب الفساد و المفسدين –كيف- التزموا الصمت، ولم يشجبوا أو ينددوا أو حتى يسألوا أين صرفت تلك المبالغ الكبيرة..

العمق الذي أتحدث عنه يتجلى فيما وقع بالموازاة مع إعلان التقرير المالي للجامعة، و كيف تم ”تشتيت الانتباه” من قضية جوهرية كبرى تهم المواطن و تربط مبدأ المسؤولية بالمحاسبة، إلى نقاشات هامشية، كخبر إقالة المدرب الزاكي، هذه المعلومة التي ملأت الشبكات الاجتماعية، وخلقت ضجة مماثلة لما وقع مع ”جوج فرنك” لأن التعامل معها كان بمنطق العاطفة، فوجدنا الكاميرات تتوجه من تقرير مالي ترك وراءه العديد من الشكوك والأسئلة، إلى سؤال من سيعوض المدرب؟ و”علاش” تمت إقالته؟ وأشياء أخرى..هذا النقاش الأخير تم إخماده بتعيين مدرب جديد، وبداية نقاش آخر موازي عن تكلفته السنوية الخيالية، لينسى المتتبع الفيسبوكي طرح السؤال : أش وقع حتى خسرات الجامعة 85 مليار أعيباد الله !!! وبالفعل من خطط لتشتيت الإنتباه فقد نجح في ذلك..

التحدي اليوم الكبير الذي يعيشه المغرب، خصوصا وأن قوته الاقتراحية و التصحيحة أي الشباب، تغوص في بحور الشبكات الاجتماعية، ليس النقد و النضال “الإلكتروني” وفتح قضايا حساسة وكبيرة، لكن التعامل بحكمة أمام القضايا والنوازل، تعاملا عميقا، يقرأ ما بين السطور، يكشف المستور بعيدا عن العاطفة و حملات ” الفاست فود” التي تموت بسرعة و تدفن في القبور..