وجهة نظر

حب مزيف

مات قيس و ماتت ليلى … رحل روميو و رحلت معه جولييت … غاب عنتر عن الوجود و غابت معه عبلة … سافر جميل الى عالم البرزخ … و سافرت معه بثينة … كلهم دفنوا تحت التراب … ولم تشأ الأقدار أن تكلل حبهم العذري كما تدعي القواميس و النظم ، بزواج شرعي يتوج لقاءاتهم الغرامية ، و مناجاتهم الليلية خلف التلال ، و عند مفترق الوديان …

و مازال العاشقون حد النخاع ، يشربون من كأس الحب المزيف ، يترجمون سيناريوهات المسلسلات على أرض الواقع ، خلف جدار مغلق أو أمام العامة ( المهم هما ووجههوم ) يتعاطون الأقراص المهلوسة ، من الكلمات المشحونة بالخديعة ، في عالم يعاني قحط المشاعر و جفاف القلوب … ولسنا نحرم الحب … إنما للحب ضوابط و قواعد ….

هاهم قد نسجوا أحلامهم في سماء الخيال ، و ألفوا أشعارهم بمداد الكسل و الإنحطاط ، بل بنوا أسرا سعيدة بطوب من السراب ….
يتسامرون قرب وادي الذئاب ، و بجانبهم سفن الخيانة تمر لتشهد الجريمة … غارقون في الهيام حد الجنون … يتناسون هموم الحياة فقط ليعيشوا تلك اللحظة التاريخية ، التي سطرتها مواعيدهم و أضائتها فوانيسهم مرددين … ( أنا و ما بعدي الطوفان ) …
يا أهل الصبابة !! لست ألومكم… واعية بأنه ( ميحس بالمزود غي اللي مخبوط بيه ) … لكن صبرا و لو كان الصبر علقم … فإن بعد العسر يسرا … إن بعد العسر يسرا …

لنكن صرحاء !! أليست قيود بعض الأسر هي التي أدت الى انزلاق المعنى الحقيقي للحب من مكانه ! … لقد كمموا أفواه أبنائهم و بناتهم عن نطق كلمة حب … فأصبح الزوج يتحاشى إظهار محبته لزوجته أمام أبنائه و عائلته ، و الزوجة كذلك … كما أن الفوبيا لحقت بالأطفال كذلك ، و صاروا يمتنعون عن قول أحبك أبي أحبك أمي … لأن الحب ( حشومة … عيب و عار ) … وهكذا حتى صار المباح يدملج الى محظور … جفاء من المشاعر و قحط القلوب … أب لا يناول جرعة الحب لابنته … لا يحضنها و لا يحسسها بمعنى الأبوة … لا يقبلها لأنه ( عيب …ووو ) … و أم لا تقبل ابنها و لا تمسح على جبينه لأنه ( حشومة ) خصوصا إذا كان شابا يانعا و قد اكتملت رجولته …

وهكذا دواليك … حتى هربت الشابة إلى عالم آخر، بحثا عن ذكر يروي عطشها و يغرقها مديحا و تغزلا بانوثتها و جمالها … و هرب الشاب بدوره إلى أنثى يشبع فيها نزواته و يسمع منها كلمات الإعجاب بشهامته ، و عنفوانه …
لكن !! مهما يكن من تقصير أو إهمال في المجتمع الصغير أو الكبير، فهذا لا يبرر البحث عن مخدع لممارسة الحب … ولا يبرر أن يتعجل الانسان لتفريغ شهوة ساعة ، تحت مبرر .

أنه غير متزوج … و أن انتظاره طال … و الصبر انقضى و بار ….
فالحب قبل أوانه تبديد للطاقات و إتلاف للمشاعر … و الحب الذي لا تحميه علاقة شرعية ليس حبا … فلا تهدروه في الحرام دعوه يثمر و يزهر كي ينضج في الحلال الطيب …

و ابحثوا عنه في ذواتكم و أنفسكم … كيف أن الله خلقكم فأحسن صوركم و كيف أن جسمكم متسق و متوازن و مكثف بشبكة تواصل بين المخ الذي يصدر ذبذباته و إشاراته إلى الجهاز العضلي و العصبي … و كيف يقومان بالحركة و السير طبقا لرغباته و إملاءاته … خلق الله الكون بالحب … و أرسى الجبال بالحب … و زرع الحب في أصغر مخلوقاته و أقلها بداهة … ولولا الحب ما لانت القلوب و ما نطقت الألسن …

و لأعظم حب هو حب الرسول صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة … كان يفتخر بحبه لها و يقول أمام الملأ ” إني رزقت حبها “… فما خجل يوما من التعبير وإفراغ مكنونات قلبه
مادام حبا حلالا … مباركا من السماء ….

و أخيرا … فإن قمة الطهر و العفاف … أن يتوج الحب بالزواج … دون أن يسقط شيء منه في مستنقعات الوحل و منزلقات الضلال …..