منوعات

الرحموني يكتب: الحزب السلطوي من أدوات تعطيل الانتقال الديمقراطي

مهام المواجهة السياسية مع التركة الحزبية للسلطوية

أمام فشل كل المحاولات الرامية لإرباك الوضع السياسي وتعطيل المسار الإصلاحي في البلد، لم يبق أمام فريق الشد للوراء إلا التشكل في كيان جديد اشتق أصحابه له اسما من الحقل الدلالي للأحزاب الشمولية التي تعلن المواجهة المفتوحة على الديمقراطية في العلن، تحت عنوان إثارة النقاش الهوياتي من جديد، وتحريك النزعات الإقصائية والاستبعادية بإعلان رمزهم الأكبر للمقولة المؤطرة لمشروع التحكم، وهي الاندراج في خندق مواجهة الإسلاميين،-البام وإعادة تشغيله للخطاب الاستئصالي -.

لقد استفاد هذا الفريق من بقايا السلطوية من التاريخ السياسي للنخب، واستثمر انتهازيا في الجو السياسي الموسوم بسيادة الضبابية في الرؤية الناضمة للمشهد السياسي العام، وانتهز مقولة طي صفحة التحكم السلطوي البئيس والتغاضي عن المآزق السياسية المقترفة من قبل بعض الرموز السلطوية التي توارت في الخلف لحظة 20 فبراير، ليناور من جديد وينظم المبادرة قاصدا إكمال مهمة إنهاك الإصلاح السياسي وفرملته.

لقد استفاد قادة هذا الحزب-الأداة- من تجاهل مطلب شعبي يتمثل في إعادة بناء منظومة سياسية وقانونية تستجيب لروح الحراك الإصلاحي الشبابي، وتضمن عدم عودة نخب الماضي السلطوي.

هذا التراخي والتجاهل من قبل الديمقراطيين جعل رموزه يتحصلون على تأشيرة مرور-رأسا- لقيادة المعارضة المؤسساتية في انتظار تطبيع وجودهم السياسي، من خلال ما قد يبتزه من شرعية سياسية وربما حتى أخلاقية-تلميع الصورة وتبييض الماضي التحكمي-.
لكن دعونا نذكر ببعض الحقائق عن الطبيعة الهجينة لهذا الكيان،

فهو يتكون من ائتلاف ثلاث مجموعات رئيسية، استمرت على امتداد زمن قريب في تحالف وثيق وفي ظل تدبير سلطوي للشأن العام، وحّدها التحكم ويوحّدها اليوم الحنين لإعادة استنساخه من جديد:

-تتكون المجموعة الأولى من الآلة الاستقطابية والتجميعية لقوى الأعيان الانتخابية– التي تتحصل على خزان للزبناء، ولها رصيد معتبر من الأسهم في بورصة المزاد الإنتخابي-

هذة الفئة الممتدة أفقيا عبر القيادات الوسطى والمركزية والمحلية، وعموديا في مختلف الجهات والمواقع وأجهزة الدولة والمؤسسات والمرافق الإدارية التي تم بثهم وتوطينهم فيها، من خلال جيش من البيروقراط والتقنقراط. وهي مجموعة تمثل العمق الاجتماعي الطيع للسلطوية بالمغرب السياسي، ويأمل أصحاب هذا الفريق أن تستمر في أداء نفس الدور خلال المرحلة القادمة بعد انتخابات 2016.

-أما المجموعة الثانية فتتشكل من شريحة رأس المال السياسي الفاسد، الذي استفاد أصحابه من امتيازات المرحلة السابقة، وهي فئة بنت نفوذها الاعتباري وجاهها الامتيازي على مراكمة المنافع والتحصل على الصفقات، حيث شكلت ظهيرا مؤيدا للهيمنة باستمرار مع بقية الفئات النافذة، التي تضامنت مصالحهم بمصالح القاعدة الاجتماعية الواسعة للسلطوية-الفئة الأولى- على امتداد مراحل تحكمها ورسوخها.

وهؤلاء غير مستعدين للتفريط في امتيازاتهم، ويعتبرون انخراطهم في البام مناسبة لتحريك القوى المضادة للإصلاح من أجل الاستثمار في إعادة استنبات وضع جديد يستفيدون منه، ويمكن لهم العودة للتحكم ونهب الخيرات العمومية ومراكمة الثروات من جديد، وبشكل أقوى بعد إنهاك قوى الإصلاح.

-وأما المجموعة الثالثة، فتتكون من اليسار الانتهازي الفاشل، جزء من التيار الاستئصالي الذي دشن تجربة التخندق مع القوى السلطوية المتسللة لكيان بعض مؤسسات الدولة منذ المراحل الأولى للانتقال السياسي بداية من 2000، حيث تم وضع إستراتيجية جديدة تقوم على أولوية التحالف مع السلطة السياسية وحشد القوى الاستبدادية لمقاومة المد الأصولي –حسب تقديرهم كعدو مشترك- حتى وإن أدى ذلك إلى الحريق الكبير في البلد، والذي سبق وأن أتى على حصاد أجيال من أبناء الشعب المغربي في أتون المواجهة المفتوحة حول السلطة -ذات زمن- ضد خصم سياسي نابع من الشعب وبأصول فكرية مختلفة، وقد كان النموذج الملهم لهذه الفئة في ذلك النموذج التونسي على عهد بنعلي.

تمثل هذه المجموعات المتحالفة والمتضامنة أكبر الخاسرين، من جراء انفتاح العهد السياسي الجديد بعد الحراك الإصلاحي المغربي، وذلك بالاستجابة الواعية لجملة من مطالب الناس في الإصلاح الديمقراطي، وبالعمل على تدشين إصلاح سياسي ودستوري مكن البلاد من ولوج عصر الملكية الثانية وبداية عهد دستوري جديد، يؤذن بتراجع النمط التنفيذي في تدبير القرار العمومي، والتخلي عن استلهام النموذج التسلطي في تدبير السلطة والثروة والقيم، والذي كان الإعداد له جاريا على قدم وساق في المرحلة السابقة على الحراك الشبابي الذي تزامن مع الربيع الديمقراطي، بل إن الكثير من مكوناتها كانوا مدانين سياسيا وقيميا بسبب ما اقترفوا في حق هذا الشعب- كديم ازيك وأمور أخرى…

سيناريوهات التصدي للإصلاح: الردة أو الصمود

ولأنهم كانوا يتوقعون أن يساقوا إلى مزابل التاريخ وتفضح جرائمهم السياسية في الإعلام وأمام الشعب، نرى بعضهم الآن-بعد خفوت الحراك وموجة الإصلاحات المنطلقة في الفضاء العام- يتدثرون بلحاف العمل السياسي والمدني والحقوقي والإعلامي- لما يوفر لهم من حصانة اعتبارية وسياسية، وبما يوفر لهم من فرصة جديدة- لاستعادة هيمنتهم على بعض من مراكز النفوذ، واستعادة مبادرتهم داخل السلطة وفي المجتمع، ومحاولاتهم العاجزة على الاستغلال الانتهازي لبعض التحركات الاحتجاجية العادلة للتأثير على المزاج الشعبي المؤيد للإصلاح الديمقراطي، ومحاولة النيل من شعبية القوى السياسية القائدة للحركة الإصلاحية، ومحاولة الإجهاز عليها باغتيالها سياسيا ومعنويا.

يحاول هذا التشكيل السلطوي استغلال خفوت رياح المطالبة بتفكيك بنياتهم، وذلك بمباشرة الاستفادة من مكامن أوهام التأثير داخل المؤسسات، ونهج أسلوب التحكم في مفاصل المجتمع والنفوذ، من خلال شبكة العلاقات الواسعة والمصالح المعقدة في الواقع، ومن الدبلوماسية المحافظة مع بقايا السلطوية في عديد من الكيانات ومع أطراف غريبة عن المجتمع تتنازعها الولاءات لخدمة تيار الهيمنة الاستبدادية.

وتتراوح إستراتيجية هذا الفريق في هذه المرحلة، بين نهج أسلوبين:

الأول بالعمل على تفخيخ تجربة الانتقال الديمقراطي الجارية، وشن هجمات منظمة ومحكمة عليها بغاية بث التناقضات بين أطرافها وقادتها، والمسارعة لتوفير الأرضية المناسبة لإسقاطها -فيما بقى لها من ولاية- من خارج قواعد التباري الديمقراطي النزيه، الذي تكفله المؤسسات الدستورية والمواعيد الانتخابية المفتوحة، وما موعد الانتخابات التشريعية 2016 القادمة عنا ببعيد، وهم يتوسلون لذلك بالمكر السياسي والتحريض الإعلامي والتجييش المنهجي، والتخطيط للانقلاب المدني الناعم ضد التعاقد السياسي القائم على الإصلاح في المرحلة، بين مكونات الشرعية الدستورية والمؤسساتية.

وهم يعملون أيضا على استمالة بعض الأطراف السياسية الحليفة تقليديا، ويتحركون معها على قاعدة التصدي للعدو المشترك، ويبادرون إلى تشكيل جبهة يسمونها حداثية غايتها العمل على إعاقة الانتقال الديمقراطي وقطع الطريق على العدالة والتنمية لاستكمال مشواره الإصلاحي معية القوى المتحالفة معه –والتلويح بالتهديد الذي يمثله حزب العدالة والتنمية ضدهم-

ويقومون بذلك تحت عناوين المواجهة الأيديولوجية، وتحصين المكاسب الانتخابية، وحماية المصالح الاقتصادية والمالية والسياسية.
وتكون نتيجة ذلك -حسبهم- إنهاء مسار العمل التأسيسي لحكومة التناوب الثانية بقيادة الاستاذ عبد الإله ابن كيران، وإطلاق طريق العودة للتوازنات السياسية القديمة القائمة على احتكارية السلطة من قبل القلة المتنفذة، والتحالف السلطوي المعلوم، والإبقاء على الولاء الزبوني للأطراف المتحالفة معها.

وهم يستعجلون هذا السيناريو لقطع الطريق أمام رسوخ ترسانة من الإجراءات الرامية إلى حماية مسار الإصلاح الديمقراطي من إمكانيات الردة والنكوص،

إجراءات تهدف إلى إنجاح مسار الانتقال الديمقراطي، وتدشين مسار جديد عنوانه التطبيع الديمقراطي، حيث يستوي المشهد السياسي في البلد، بشكل يرسو نهائيا لصالح المنهجية الديقراطية، ويرسخ قواعد الإصلاح السياسي، مما يصعب مهام الانقلاب السياسي عليه أو الارتداد على أعقابه.

أما السيناريو الثاني- الذي يحدث به أنصار هذا التيار أنفسهم- فهو المتعلق بالانتخابات القادمة أكتوبر 2016.

فبالاعتماد على آلة تجميعية لأعيان الانتخابات خبيرة في تحريف إرادة الناخبين، وترسانة إعلامية رهيبة وشرسة نجحت إلى حد ما في تشويه صورة خطة الإصلاح وقواها الرئيسية وحشد بعض الدعم لها، وبتمويل من بارونات الفساد –المال القذر- ودعم خارجي مراوغ بات واضحا من أطراف دولية وإقليمية معروفة ليست لها المصلحة في استكمال مسار الانتقال الديمقراطي في البلد، من خلال وضع حد لتجربة الإصلاح والانتقال والدمقرطة، يمكنهم استعادة الكرة والمبادرة.

إنه بالتوسل بكل هذه الأعمدة، يأمل هذا الفريق إدراك فوز أو شبه فوز في الانتخابات القادمة، لمحو آثار الإصلاح، وغلق القوس الديمقراطي الذي انفتح مع الربيع الديمقراطي -هكذا يمنون النفس– وسيفشلون بإذن الله.

إنه من الطبيعي أن تتشكل هذه القوى وتنتظم دفاعا عن مصالحها، بعيدا عن كل اعتبار أخلاقي وديمقراطي، لكن ما يلفت الانتباه أن بعض القوى السياسية المعارضة لم تنجح سياسيا، ولم توفّق في تبين خصوصية المرحلة الانتقالية التي تمر منها البلد، حتى غدت نموذجا يلهم الكثيرين في سياق موسوم بالاضطراب والتفكك والصراع حول السلطة في كثير من البلدان العربية.

فنرى بعضها يتناسى سنواته الطويلة من الصراع ضد قوى الاستبداد، ويمد يده للتحالف مع امتداداته السلطوية وأدواته التحكمية. ورغم الضغط الشعبي- والشبابي خاصة- يصر هذا الفريق على الاستمرار في خطيئته الإستراتيجية، التي شكلت حاضنة حزبية لقوى الاستبداد منذ مدة وحتى اللحظة الراهنة، مما مكنها من إخراجها من عزلتها القاتلة.

بل إن القراءة الصحيحة للمرحلة وتحديد طبيعتها الانتقالية وتوجيه أولوياتها وتدقيق عمق التحولات المطلوبة فيها، كل ذلك ما زال غائبا عن تقديرات قادة ورموز هذا الفريق.

بحيث يستوطن في العقل السياسي لقادته الخوف من الآخر وعقدة الاستبداد والاستقواء والحسابات الانتهازية الضيقة، لذلك نراهم يخوضون معارك خاسرة،، لأنها مبنية على معطيات خاطئة وحسابات غير دقيقة وهي مجربة في عديد من التجارب التي لم تورث شعوبها سوى التنازع والصراع والدموع والآلام.

نتائج انتخابات 4 شتنبر وترتيب المسؤوليات

لقد تسرعت بعض القوى السياسية -وضمنها بعض الأطراف الحزبية- في تغيير تموقعها إزاء قضية الإصلاح، وذلك بالمبادرة إلى مد طوق النجاة –بشكل غير واعي –للقوى التسلطية عندما كانت تتهاوى وتنهار.

كما استعجلت في جني ثمار الإصلاح المؤسساتي والسياسي– الاتحاد والاستقلال أساسا- لمّا رضيت بمحاولة تجديد المنظومة القديمة، ورفضت مسار النضال من أجل إقرار مشروع الإصلاح التدريجي القاصد للانتقال الناجز للديمقراطية، فمثلت قوة معارضة رئيسية في مواجهة إصلاحات سياسية ومؤسساتية كبيرة، وذلك بالاصطفاف في جهة قوى الردة، قبل أن تعري نواياهم أصوات القوات الشعبية في انتخابات 4 شتنبر 2015.

ونسجا على نفس المنوال، لقد أخفقت تلك القوى السياسية في التجانس مع روح المرحلة الإصلاحية، وفشلت في التقاء نبض الناس واتجاهات تصويتهم العقابي ضد مكونات المعارضة، حيث التبست أولويات المكون الانتهازي فيها، وعوض أن يكون ديدنهم إنجاح تجربة الانتقال الديمقراطي والقطع مع الماضي التحكمي، أصبح شغلهم الشاغل هو الإمعان في تعطيل المسار الانتقالي، مما كان سيشكل خطرا محدقا على تجربة الانتقال نفسها، وعائقا أمام تحقيق الإصلاح الممكن الذي حبلت به المرحلة.

المطلوب من مختلف القوى السياسية –اليوم- التصدي لمهام إجراء النقد الذاتي العلني، للخروج من المأزق، ومباشرة تشكيل جبهة ديمقراطية للتصدي لكل احتمالات النكوص والارتداد، وتعزيز العزلة السياسية لقوى التحكم وأذرعها السياسية والحزبية المتجلية في المشهد السياسي.

واليوم، يستعد هذا التشكيل المصلحي لخوض معركة جديدة تزيده عزلة سياسية، بيد أن المطلوب الآن من كل الديمقراطيين هو الاستعداد لتشكيل حلف ديمقراطي لحماية الإصلاح، والانتقال من خطر الردة السياسية وإنجاح الانتقال السياسي والتمكين للتجربة الإصلاحية.

إن ديمقراطية الانتقال هي غير الديمقراطية التامة، وإسقاط الاستبداد المنادى به في الحراك الديمقراطي زمن 20 فبراير 2011، لا يقل أهمية وملحاحية في أبعاده الكبرى وآثاره على مستقبل البلد عن حدث الاستقلال والمسيرة والتحرير.

لذلك فمثلما انتصبت محكمة التاريخ لتجريد المتعاونين –ذات زمن- مع الاستعمار الفرنسي من إمكانية ممارسة العمل السياسي في فجر الاستقلال، فإن نفس الأمر هو واجب المرحلة، على كل الديمقراطيين النضال المشترك جنبا إلى جنب من أجل العمل على حرمان رموز الفساد والاستبداد وناشطي الحزب السلطوي وذيوله من فرصة العودة السياسية المهيمنة، أو الانقضاض على الرصيد الاعتباري للبلد ومباشرة عرقلة مسار الإصلاح الديمقراطي والانتقال السياسي، تلك مهمة عاجلة وجب الالتقاء حولها.

لكن بسبب من تداخل فضاءات العمل العام، نرى هذه القلة تحاول إرباك الوضع العام أحيانا من داخل المؤسسات الدستورية، أو من خلال التجييش في وسائل الإعلام، واستعمال كل أساليب الضغط والاستعداد للتحالف مع قوى النكوص الردة.

الاتهام الأبرز الذي يتم تسويقه يتمثل في التشكيك في قدرة العدالة والتنمية – معية القوى المتحالفة معه- على قيادة عملية بناء الديمقراطية الناشئة، والقفز لاتهام نواياها الإصلاحية وقدراتها على التحريك النهضوي والانمائي والتدبيري، لكنهم واهمون واهنون.

وفي الحقيقة لم تقم النخبة السياسية، ولا الأحزاب المعتبرة، بكثير من الجهد لتهدئة هذه المخاوف وتبديد كل الشكوك.

المطلوب، جبهة ديمقراطية للتصدي للسلطوية

الآن، وقبل أشهر معدودة على إجراء الانتخابات التشريعية 2016- والتي ستمكن البلاد من تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة، لاستكمال أوراش الإصلاح المنفتحة- لم يعد مقبولا استمرار هذا الغموض والضباب الذي يلف الأفق السياسي للمرحلة القادمة.

وجب التوضيح السياسي اللازم للنوايا والمرامي، من قبل الحلفاء وكل الديمقراطيين، والانتظام في جبهة عريضة تضم كل الديمقراطيين والإصلاحيين بالعمل على توضيح جدول أعمال البلد، والذي من المفروض أن يتركز على نقطة مركزية: مجابهة السلطوية والتحكم، واستكمال الإقلاع التنموي للبلد، أي نقطتي العدالة والديمقراطية والتنمية والكرامة.

تحتاج النخبة السياسية الديمقراطية -بشكل استعجالي- ومن ورائها الأحزاب التي لها مصداقية، إلى طرح رؤيتها السياسية على مائدة حوار وطني عريض، إشراكا للرأي العام في برامج الإصلاح وأجندته، وأن ترسم رزنامة المحطات المتوقعة فيما يتعلق بملفات ظلت عالقة لحد الآن.

ومطلوب أيضا ضبط السياسات العمومية في مقاومة الفساد وتطهير المؤسسات من الزوائد التحكمية المعيقة للتقدم الديمقراطي، والعمل على تطعيم الكيان العمومي للدولة بالإجراءات اللازمة للإسراع بالتخفيف من معاناة الناس، مع الالتزام بمنطق العدالة الاجتماعية، وضخ نفس جديد في جسم الإصلاح.

ربما يفسر هذا البطء، في وضع هذه الرؤية وطرحها في الساحة السياسية الوطنية، بسلبيات العمل التشاركي، حيث تتفاوت الرؤى وتتمايز المصالح، الأمر الذي يفترض قدرة عالية على تنسيق آليات الحوار الطويل والمضني.

ولقد مثلت تجربة الانتخابات الترابية والجهوية استشرافا متفائلا لمدى التقدم الديمقراطي البطيء في البلد، وأكدت أيضا نجاحا أكيدا للمعادلة المغربية في الإصلاح المبنية على ثنائية الإصلاح العميق هو بوابة الاستقرار الحقيقي.

تجربة الاستشارة الشعبية ل 4 شتنبر 2015 تنضاف لإبداعات عديدة -رغم محدوديتها- لهذه التجربة السياسية التي أعقبت الحراك الديمقراطي في المغرب، فعكست الدعم الشعبي العريض المشروط بالتوغل الشجاح في إنفاذ الإصلاحات الحقيقية والعميقة، الدعم الذي تلقته الحكومة –والحزب القائد لها تحت توجيه الاستاذ عبد الإله ابن كيران- من أنصارها والمطالبين بتفعيل الإجراءات، وتسريع وثيرة الإنجاز وتوضيح الرؤى، هو وحده الكفيل بالإنهاء مع الضباب الذي يلف المرحلة وبالتخلص من شبح التحكم والسلطوية والتخلف، تلك الأدواء التي سيطرت على البلد لردح من الزمن ممتد.