وجهة نظر

جدل الجامعة والديمقراطية والمواطنة

هكذا اختار المفكر العربي عزمي بشارة عنونة بحث أكاديمي أصدرته مجلة العمران التابعة للمركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات، وهو بحث كان من المفترض ان يكون درسًا جامعيًا شهر نونبر الماضي في الملحقة الجامعية الجديدة بايت ملول / أكادير التابعة لجامعة بن زهر ، لكن تم إلغاؤه لأسباب غير معروفة ، لكن الأساس أن الاستاذ عزمي بشارة أعاد كتابة هذا البحث المهم على الصعيد الأكاديمي والسياسي .

استهل الباحث قوله بأن هذه الورقة التحليلية تهم دراسة العلاقة بين التعليم الجامعي و الثقافة المساندة لديمقراطية أي دراسة العلاقة بين المتعلمين وقيمهم الديمقراطية حالة نشوءها أو محاولة الحفاظ عليها، وستند إلى استطلاع لرأي لمؤشر العربي سنة 2015 .

إعتبر عزمي بشارة أنه يصعب إيجاد علاقة مباشرة بين المستوى التعليمي والثقافة الديمقراطية ، لكن نظريات التحديث والديمقراطية الغربية نشأت في سياق اتساع الطبقة الوسطى وقدرة المواطنين على المشاركة في الميدان السياسي والإجتماعي وهو مرتبط بمدى انتشار العلم والمعرفة ، ويضيف بأن بعض الأنظمة تحاول تحديث قطاع التعليم وما يتطلب ذلك من الانفاق على ميزانيته وتعميمه ودمقرطته من دون أن يؤثر ذلك على مستوى الحريات السياسية والحقوق المدنية ، لكن حال نشوء عملية التحول الديمقراطي فإن المجتمعات الأكثر تعلما هي التي تستطيع احتضانه حينما يكون هذا التعليم مساعدة على تطوير مهارات المتعلم وقدراته على النقد، وقد استدل بتونس التي عمل فيها النظام الاستبدادي على تجويد التعليم و تعميمه وتطويره وقد كان بالفعل أكثر جاهزية لاحتضان التحول الديمقراطي و قدرة النخب السياسية على البحث عن حلول لهذه المرحلة مقارنة مع مصر حيث أنها لا تتوفر على نفس المستوى من انتشار التعليم ومرد ذلك حسب الباحث إلى قوة مؤسسة الجيش مقارنة مع الجيش التونسي وأهمية مصر بالنسبة لدول الخليج المعارضة لعملية الانتقال الديمقراطي .

وقد أورد مجموعة من الإحصائيات التي تتناول العلاقة بين مستوى التعليم والقدرة على اكتساب أو الموافقة على النظام الديمقراطي فكانت من نتائجه أن معظم الذين ليس لديهم تعليم جامعي والذين لديهم مستوى تعليم أكاديمي بالنظر لمعارضتهم أو موافقتهم لنظام الديمقراطي فإن نسبة الفروق ضعيفة جدا كما أن هذا الاستطلاع شمل سؤال حول ما إذا كان هنالك حزب ما مخالف لقناعات المستجوبين صعد في انتخابات حرة ونزيهة .

كما أورد عزمي بشارة في معرض حديثه عن تاريخ نشوء الجامعات الأوروبية التي انبثقت من رحم الأديرة والكنائس ومن سنمار اللاهوت … ومرت بمجموعة من الاكتشافات وساهمت الثورتين الصناعية والعلمية في تطوريها ، أما في ما يخص الجامعات العربية فقد نشأت في القرن العشرين ، وكانت مقتصرة على النخب الميسورة أو أبناء موظفي الجهاز الدولة الاستعمارية ، وقد عرفت وجود أساتذة غربيين كما في الجامعة اليسوعية والأمريكية في بيروت والجامعة المصرية في القاهرة و ألإسكندرية غير أنه وبعد استلام العسكر للحكم في بلدان عربية متعددة أقيمت جامعات كثيرة وتم تعميم التعليم للاستجابة لمتطلبات القطاع العام والإدارة ومكن أبناء الطبقات الفقيرة من ولوج الجامعة التي مكنتهم من الارتقاء في السلم الاجتماعي.

ثم انتقل المفكر للحديث عن أهمية اكتساب القدرة على الترابط الذي يؤسس لما يسمى بالمواطنة ، والجامعة تساهم في نشأت البيئة الطبيعية لهذا النوع من المواطنة الذي يتجاوز الحدود العرقية والثقافية والقبلية ، حيث يقول ” .. إذ يأتيها (الجامعة ) متلقو العلم من انتماءات وجماعات مختلفة ، يجلسون على مقاعد الدراسة في قاعة المحاضرات في مقابل أستاذ محاضر واحد ليتعلموا منهجا تعليميا واحد وإذا حالفهم الحظ فإن هذا الأستاذ يدربهم على التفكير التحليلي النقدي ، أما الجانب الذي يفترض أن يتطور في الفرد هنا فهو الجانب العقلاني النقدي التحليلي أو التركيبي ، لا فرق ، فالمهم هو أن هذا هو الجانب الذي من المفترض أن ينمو في هؤلاء الأفراد الجالسين معًا على مقاعد الدراسة وليس العصبيات أو الانتماءات العضوية”.

وينهي بالحديث عن أهمية الطالب الراشد الذي هو ذات مفكرة لا متملقة ويتحمل مسؤولية الفشل الأكاديمي ، المفضي إلى فشل في بناء النظام الديمقراطي وإن اختلفت نسبة المؤيدين والمعارضين له بشكل طفيف جدا.