وجهة نظر

شاب “جمعة سحيم” وسيكولوجية الفعل الاقتحامي

بعد عبد الرحمان المكراوي الذي اختار اقتلاع أجزاء طريق معبدة بجماعة “جمعة سحيم” وكأنه يسحب قشور البطاطس أو الباذنجان، خرج رئيس جماعة مولاي عبد الله أمغار في شريط مصور وهو يقتلع مرة أخرى بسهولة منتهية إسفلت حديث عهد بطريق تقع بالمجال الترابي للجماعة التي يسيرها، نفس الأمر لشاب آخر ظهر في شريط مصور يقوم بنفس الفعل، مما ينبئ عن بزوغ ظاهرة احتجاجية جديدة ستنتشر في المجتمع المغربي كشكل من أشكال التعبير الاجتماعي- السياسي لفئة تشعر بالعزلة والتهميش في ظل فساد مستشر بشكل يكاد يكون مقننا.

لا غرابة في ذلك، و يمكن أن نتوقع ما هو أخطر من ظاهرة “السلوك الاقتحامي” أو تسرب اليأس المجتمعي وبروز حركات احتجاجية متنوعة بتنوع الإخفاقات والتراجع في شتى المجالات إلى الحد الذي يجعل منها فعلا سيكولوجيا يجسد وضعية القهر الذي تمارسه عليه الدولة من خلال مؤسساتها وأعيانها، والتي تفرز لدى المواطن المقهور إحساسا بالدونية إزاء قوة التحكم والفساد بكل أشكاله وأطيافه، مما يفضي إلى المجابهة ورد الفعل بعد يأس وحسرة واتكالية على منقذ منتظر قد يأتي وقد لا يأتي.

عبد الرحمان المكراوي لم يُعرّ على جنبات الطريق المغشوشة بجماعة تقع بالمغرب غير النافع، بل عرّى، بتنفيذه الاقتحامي، على واقع مزر بات يشهده المغرب، فبدل أن يُفتح تحقيق في عملية الغش التي طالت أموال الشعب في مشروع تهيئة لشبكة طرقية انتظرها الغني والفقير والتي تمثل ملامح المجتمعات المحترمة، زُج بمواطن ثائر في السجن، وكأنه بفعله الاقتحامي ارتكب جرما وهدد بذلك الأمن القومي للبلاد. لو كنا في دولة تحترم نفسها لاعتذر المسؤولون أمام الملإ، ولانحنى وزير العدل والحريات احتراما وإجلالا لشاب نفذ توصيات الوزير بالإبلاغ عن أي عملية غش تطال أموال الضعفاء من أبناء هذا الوطن.

لو كنا نحترم أنفسنا، لسُجلت حالة استنفار قصوى بوزارة الداخلية ووزارة النقل والتجهيز ووزارة العدل والحريات والمؤسسات الحزبية والجمعوية والهيئات الحقوقية والنقابية، لأن القضية تتعلق بإرهاب مجتمعي قد يشكل بركانا خامدا من شأنه تهديد حصن المجتمع وخدش ملامحه، وأي محاولة للهرب أو التسويغ فهي تهدد بشكل أو بآخر توازن المجتمع، ومن ثمة عاجلا أم آجلا سيزداد منسوب التوتر والعدوانية ليفضي بذلك إلى مرحلة التمرد والانفجار.

كنت أنتظر أن تعطي وزارة العدل والحريات تعليماتها بفتح تحقيق في عملية الفساد التي طالت الحق العام، إذ بي أفاجأ بتلفيق قضية قذف وسب ضد شخصية عمومية تعرضت للإساءة أكثر مما أصاب حقوق المواطنين في بنية تحتية يمولونها من أموالهم ولا يطالبوا سوى بتنزيلها على أرض الواقع. إن ملامح الدولة المنشودة التي تعمل على تحقيق مطالب شعبها هي مؤسسة لا تؤمن بالمقاربة الزجرية والمتابعات القضائية، بقدر ما تؤمن بالعدالة الاجتماعية والاستجابة لتطلعات الأغلبية الصامتة من المستضعفين، لا بدولة الفوارق الاجتماعية والتراتبية المطلقة.