وجهة نظر

البشر قبل الحجر

يقول المفكر المغربي الراحل المهدي المنجرة رحمة الله عليه أنه اذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك ثلاث وسائل هي : أن تهدم الأسرة بتغييب دور الأم وجعلها تخجل من وصفها بربة بيت ,ثم اهدم التعليم من خلال المعلم بحيث لا تجعل له قيمة بين تلاميذه وطلبته وقلل من شأنه ولا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه ثم أخيرا عليك بإسقاط القدوات أي العلماء والمفكرين والمؤرخين اطعن فيهم قلل من شأنهم وشكك فيهم حتى لا يسمع لهم ولا يقتدى بهم أحد فإذا اختفت الأم الواعية والمربية وإذا اختفى المعلم المخلص وأسقطت القدوات والمرجعيات فمن يربي النشئ على القيم ؟؟

نؤكد دائما على ضرورة الاهتمام المستمر بتنمية الموارد البشرية ونذكر أنها يجب أن تحظى بالأولوية القصوى في خطط الحكومات و في برامجها فالإنسان هو حجر الزاوية في كل بناء تنموي وهو قطب الرحى التي تدور حوله كل أنواع التنمية اذ أن غايتها جميعا هي اسعاده وتوفير أسباب العيش الكريم له وضمان أمنه و سلامته ولما كان الشباب هم حاضر الأمة ومستقبلها فيجب أن تولى لهم ما يستحقونه من اهتمام ورعاية على مدار أعوام النهضة المباركة التي ننشدها ويجب على الحكومات أن تسعى جاهدا الى أن توفر لهم فرص التعليم والتكوين والـتأهيل والتوظيف من أجل تعزيز مكتسباته في العلم والمعرفة وتقوية ملكاته في الابداع والإنتاج وزيادة نسبة مشاركته في مسيرة التنمية الشاملة.

وأنا أتجول على صفحات الفايسبوك استوقفتني عبارة أو مقولة لأحد الفلاسفة يقول فيها أن بناء الأوطان يبدأ ببناء الانسان ومن يبني وطنا على انقاض الناس كمن يدعوا لبناء صرح عال على رمال متحركة فحتى وان تم فلابد وأن يأتي يوما وينهار , فبناء الانسان أهم من بناء العمران أو بمعنى آخر البشر قبل الحجر فهو صانع الحضارات وهو السبب الأساسي لرقي الدول و المجتمعات ولا يمكن أن نقول ان الدول والمجتمعات التي حققت تقدما في مجال التنمية البشرية أو بناء الانسان هي أفضل منا في شيء هدا ان لم نكن نحن الأفضل قياسا الى تاريخنا و تجاربنا بل نستطيع أن نقول ان اجدادنا كانوا مبدعين فعلا وحققوا انجازات أقرب الى المعجزات في أوقات معينة و بإمكانيات محدودة جدا وبوسائل بدائية لكنهم قد آمنوا فعلا بضرورة النهوض ودور الانسان في دلك فقد آن الأوان الى أن يرث هدا الجيل دلك التراث ودلك الابداع الانساني الراقي في مختلف العلوم سواء كانت شرعية أو انسانية أو مادية والتقدم يحصل بالجمع بين مختلف هده العلوم فقد كان لنا علماء في الفيزياء والكيمياء والطب والفلك وكانوا فلاسفة و فقهاء في نفس الوقت فقد أخدوا جوهر الدين وروحه . وما يؤسف له الآن أنه حتى هدا التاريخ وهدا التراث العظيم تم اهماله من قبل أهله وأصحابه بينما اهتم به الآخرون , هدا الاهمال الجسيم يجعلنا نطرح هدا التساؤل الأليم فعلا هل صحيح أن هدا الجيل من المسلمين اليوم هم أحفاد أولئك العظماء الدين تحدوا الصعاب وأقاموا أعظم الحضارات ؟؟؟ .

نحن اليوم في أمس الحاجة الى انشاء مراكز الأبحاث والدراسات التي تهتم بكل الجوانب لأن التخطيط الجيد هو الذي يحقق النتائج الجيدة على المستويين القريب أو البعيد لأننا ادا استمررنا على حالنا كما نحن اليوم من اهمال للأجيال الجديدة سوف نصحوا يوما على كارثة كبرى أو ربما نحن نعيشها اليوم فيكفي ما يعانيه الجيل الآن من تخبط وعشوائية ومن انحلال أخلاقي وقيمي مرعب ومن غياب الأهداف ومن انعدام الثقة حتى في نفسه, كذلك كي نبني الانسان العربي بناءا سليما يتواكب مع بناء العمارات والجسور والقناطر وناطحات السحاب لابد من التركيز على التربية الجيدة و الأخلاق الحميدة لأن الجيل الذي يفقد الأخلاق والقيم سيفقد كل شيء وسيكون مستعدا لبيع أي شيء حتى وان كان هدا الشيء أغلى ما يملك وأي أمة تفقد أخلاقها هي أمة توشك على الزوال وكما قال الشاعر ” انما الأمم الأخلاق ما بقيت فان هم ذهبت أخلاقهم هم ذهبوا ” وهكذا يحدثنا التاريخ دائما و يعطينا الدروس , في الماضي أراد الصينيون القدماء أن يحصنوا أنفسهم وبلادهم وان يعيشوا في أمن وسلام وطمأنينة قاموا ببناء سور الصين العظيم من أجل صد كل هجمات الأعداء في الحروب ,معتقدين أن لا أحد سيستطيع تسلقه أو اختراقه ,لكن للأسف خلال المائة سنة الأولى بعد بناء السور تعرضت الصين لثلاثة غزوات متتالية وفي كل مرة العدو لم يكن في حاجة لتسلق السور أو أن يقتحمه لأنه ببساطة كان يدفع رشــــوة للحارس على الباب ويدخل بكل سهولة من الباب الرئيسي , لأن الصينيين في تلك الحقبة اهتموا ببناء السور ولم يهتموا ببناء الحارس الانسان.