وجهة نظر

فشلنا في إصلاح منتخب الكرة، فكيف نستطيع إصلاح الوطن؟

تحظى كرة القدم باهتمام وشعبية كبيرة لدى عموم المغاربة. ومن تجليات هذا الاهتمام ما يحملونه من هم نحو منتخبهم الوطني، إذ تحدو كل المغاربة رغبة شديدة في أن يروا منتخبهم يتبوأ أعلى المراتب قاريا وعالميا. هذه الرغبة الشديدة في نجاح المنتخب تجعل المغاربة يتناولون شؤونه بالتحليل والنقد وإبداء الرأي حول أسباب الاكنسار وسبل الانتصار.

وكالكثيرمن المغاربة ، كنت ولا زلت أتتبع هذه النقاشات والتحليلات التي تتناول أوضاع المنتخب الوطني. وأذكر أيام كان الجينيرال حسني بنسليمان رئيسا للجامعة الملكية لكرة القدم،وكانت سهام اللوم تتجه نحوه عقب كل إخفاق باعتباره المسؤول الأول عن اللعبة. وكثيرا ما سمعت -وربما سمعتم أنتم أيضا- هذه الجملة “واش جدارمي يفهم في الكرة”!

أقيل أو استقال السيد حسني بنسليمان، فاستبشر عشاق الكرة خيرا وظنوا أن زمن الانتكاسات قد ولى وأن عصر الانتصارات قد أقبل. لكن مستوى المنتخب الوطني لم يتحسن أبدا رغم تغيير رئيس الجامعة!

نفس الشيء حدث مع عشرات المدربين الذين توالوا على تدريب المنتخب، إذ كلما أخفقنا في استحقاق ما، سارعنا إلى تغيير المدرب.تارة بدعوى عدم الكفاءة وأخرى بإعطاء الأولوية للأطر الوطنية.وقد تعاقب على تدريب المنتخب بفآته العمرية كل الأسماء الوطنية المعروفة! ومنهم من جرب حظه –وجربناه معه- مرتين، كالمدرب الحالي بادو الزاكي…لكن ومع هذا كله، لم تتحسن أحوال المنتخب بل تراجعت! فلما غادر الزاكي المنتخب سنة 2005 ، كان المنتخب متؤهلا إلى نهائيات كأس إفريقيا للأمم وكان ترتيبه القاري والعالمي متقدما بشكل كبير مقارنة بالوضع الحالي. أما الآن وبعد مدة من عودة الزاكي، فلم يستطع هذا الأخير بعد الوصول بالمنتخب إلى المستوى الذي تركه عليه! ومعنى ذلك أن عشر سنوات من عمر المنتخب ذهبت سدى، وذهبت معها أموال طائلة وعانى خلالها عشاق المنتخب الخيبات والأحزان.

بنفس الطريقة وخلال هذه الفترة تعاملنا أيضا مع اللاعبين، فجربنا منهم العشرات وربما المآت. مرة نعقد آمالنا على المحترفين، فإذا أخفقنا معهم، شكّكنا في وطنيتهم! ثم أشدنا بالمحليّين. ومرة نستنجد بالشبان وأخرى بالمخضرمين. طردنا خرجة والشماخ وغيرهما من المنتخب، ثم عدنا إليهمم بعد حين! لكن، ومع تغيير الرؤساء والمدربين واللاعبين، فلا زال حال منتخبنا يستدعي شفقة القريبين والبعيدين، ولا زالت “أسدنا” عاجزة عن الزئير، وربما لن تزأر إلى يوم الدين!

ومع الحسرة على حال المنتخب، أقول الحمد لله أن هذا الفشل كان في جانب الكرة الذي لا يعدو كونه جانب لهو وترفيه. أما همّنا الأكبر اليوم كمغاربة فهو إصلاح الوطن.

من أجل ذلك أسأل: هل يمكن أن نصلح وطننا بنفس الأسلوب الذي لم يفلح حتى في إصلاح المنتخب؟مع العلم أن مرارة الفشل في إصلاح الوطن لا تقارن بالحسرة على الهزيمة في المباريات أوالإقصاء من البطولات. إن الفشل هنا -لا قدر الله- قد يؤدي إلى أن يصاب الوطن بالانهيار! وأي شطط في أسلوب الإصلاح لعب بالنار! لذلك وجب أخذ الدروس والعبر من هذه التجربة وسلوك أفضل وأنجع الطرق لمن يريد بصدق إصلاح الوطن.

لقد تعلمت من محاولة إصلاح المنتخب أن الإصلاح يتطلب قدرا كبيرا من الواقعية بعيدا عن التهوين والتهويل. واقعية في تحليل الأوضاع وتحديد المسؤوليات والوقوف على الإمكانات والإكراهات. وواقعية أيضا في تحديد الأهداف وسقف التوقعات! ففي غياب هذه الواقعية صارجهدنا من أجل إصلاح المنتخب عبثا رغم كل المحاولات!وفي غيابها أيضا قد يصبح جهدنا من أجل إصلاح الوطن عبثا، سواء في السياسة أوفي كل المجالات!

لقد تعلمت كذلك أن عملية الإصلاح وتحسين الأوضاع أكبربكثير من تغيير أسماء وتبديل وجوه. إنها أشد تعقيدا مما يتصور الكثيرون. وإذا كان الأمر كذلك في محاولة إصلاح منتخب وطني”يلعب الكرة”. فما بالك بإصلاح يترتب عليه مصير بلد بأكملهبأمنه وغذائهوصحته وتعليمه بل وكل مقومات وجوده،وقد نخر الفساد كل أركانه؟

تعلمت أيضا أن الخلف المنشود ليس دائما أفضل ممن سلف وأن القادم المتوقع ليس بالضرورة أفضل من الواقع المعاش! وكم كذّب الواقع من أماني وكم خالف من توقعات! لذلك أفضل أن أعيش الواقع وأتأقلم معه وأستفيد منه قدر الإمكان، آملا في غد “قد” يكون أفضل. لكنني موقن أن هذا الغد الأفضل يبقى حلما قد يتحقق وقد لا يتحقق. لذلك سأعمل جاهدا لتحقيق حلمي هذا في حدود لا أفسد فيها واقعي فأصبح “لا واقعي أبقيت ولا حلمي أدركت”. وهذا نوع من الحمق، أعني إفساد الواقع بغية تحقيق الأحلام! لذلك سأبقى وفيا لمبدإ “الإصلاح في ظل الاستقرار”.

علمتني تجربة الإصلاح في مجال الكرة أيضا أن الحق ليس دائما مع الجماهير! لقد رأيتها تهتف باسم لاعب أو مدرب اليوم، وغدا تطلق في وجهه صيحات الاستهجان الصفير! وقد تطالب برحيله اليوم ثم تلح على رجوعه بعد حين! لذلك سأكون وفيا لقناعاتي ولا أبالي بكثرة المخالفين. ولن أقول لأي مسؤول “ارحل” إلا إذا اقتنعت “بنفسي” أنه يستحق الرحيل، ولن أقولها أبدا وليس في الأفق بديل، وأيّ بديل!ببساطة، لن أستبدل الذي هو”أدنى” أبدا بالذي هو “خير”.