وجهة نظر

إيران وأمريكا.. ما الحب إلا للحبيب الأول

بعد 4 سنوات من المفاوضات الرسمية والسرية في كثير من الأحيان، وبعد إعلان عن اتفاق الإطار النووي الإيراني يوم 2 أبريل/ نيسان2015 بمدينة “لوزان” السويسرية، دخل هذا الاتفاق بين إيران ومجموعة “5+1” حيز التنفيذ يوم الأحد 17 يناير/كانون الثاني 2016، حيث تم رفع العقوبات الدولية عن إيران بعد أن أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التزام طهران بالحد من أنشطتها النووية.

هذا الاتفاق يضمن الطابع السلمي لبرنامج إيران النووي، مقابل رفع العقوبات التي فرضها الغرب على إيران الاتفاق لا يشمل العقوبات الأمريكية الخاصة بإدراج إيران ضمن لائحة الدول الداعمة للإرهاب والبرنامج الإيراني الخاص بتطوير الصواريخ البالستية.

ويكاد يجمع أهل التحليل السياسي والاستراتجي أن هذا الاتفاق لم يكن ليصب في صالح دول المنطقة وخاصة السعودية وتركيا،صحيح أن الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة “5+1” يحتوي على ثغرات كثيرة تهدد “حياة الاتفاق”، إلا أن هدف أوباما وشركائه الغربيين هو معالجة المتطلبات الآنية خصوصا “الأمريكية”، ومنها التفرغ لمنطقة المحيط الهادئ والصين وكوريا الشمالية،ودعم حفائها الاستراتجيين هناك( اليابان وكوريا الجنوبية)، وفي المقابل السماح لإيران بالقيام بدور شرطي الخليج والمنطقة على أساس ضمان المصالح الاستراتجية للولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني المحتل.

وترويجا لأهمية الاتفاق، سارع الرئيس باراك أوباما للإشادة بالاتفاق واعتباره “تقدم تاريخي” في علاقات بين واشنطن وإيران، ودعمه كثير من الباحثين في مراكز البحثية الأمريكية الكبرى، حيث اعتبروا الاتفاق أ كبر إنجاز لأوباما في كلتا ولايتيه، لأن إدارة البيت الأبيض أصبحت تعتقد أن إيران اليوم هي “الشريك الطبيعي الجاهز للمستقبل”.

وفي المقابل رحب حسن روحاني بفتح صفحة جديدة ذهبية بين إيران والعالم وخصوصا الغرب، وهنئ الشعب في تغريدة على حسابه الخاص بتوتير بهذا” النصر العظيم”.

لكن الذي يهم العرب من هذا الاتفاق، هو جواب سؤال واحد: هل رفع العقوبات عن إيران تطوير للاقتصاد المحلي أم دعم لسياسة التوسع الخارجي؟.

فالشعب الإيراني بمختلف أطيافه وطوائفه لم يبدي الفرح ولم يخرج إلى الشوارع ابتهاجا بهذا “الاتفاق النصر”، كما فعل عام 1988 بعد وقف إطلاق النار مع العراق، حيث خيب نظام الملالي آنذاك ظن شعبه به، فلم يرى الإيرانيون فرق بين أيام الحرب وما بعدها.
فما بالك بشعوب المنطقة والتي تعتبر هذا الاتفاق نذير شؤم ودعم مباشر لإيران من الغرب، كي تزيد في مد أذرعها التخريبية والتي لا تتورع عن التدخل في شؤون المنطقة، عبر حلفائها ومليشياتها المنتشرة في عدة بلدان عربية.

ولأن حسن روحاني يعلم حقيقة الدور الإيراني في المنطقة قال مُطمئنا:”على أصدقائنا أن يفرحوا، وعلى منافسنا الإقليميين ألا يقلقوا”.
لكن الحقيقة خلاف ذلك، إيران تحت العقوبات أو بدون عقوبات ماضية في مشروع الفارسي الطائفي، وأمريكا وحلفائها الغربيين أعطوها “قبلة الحياة” التي تعطي مشروعها دفعة قوية، وتزيدها قوة وإصرار على المضيّ قدمًا لترسيخ نفوذها وهيمنتها في المنطقة، وما تصريح قائد “الحرس الثوري” محمد علي جعفري عن تدريب أكثر من 200 ألف مقاتل من أبناء دول الجوار، والكشف عن ترسانة إيران الصاروخية والتي تغطي الشرق الأوسط بكامله، إلا دليل على إيران ستواصل تنفيذ “سياسة تصدير الثورة” للعرب.

قال الدكتور عبد الله النفيسي -الخبير في شؤون الخليجية- في أحد البرامج التلفزيونية عام 2011 عن المشروع الإيراني-الفارسي- بالمنطقة بأنه مشروع حقيقي: (لاشك في وجود صفقة إيرانية – أمريكية ستكون دول الخليج ضحيتها الأولى، والعلاقات بين إيران وأمريكا علاقات متنامية…وأن نظام ولاية الفقيه يعمل على تطبيق نظرية “أم القرى” الإيرانية التي تشير إلى خلع تلك الصفة عن “مكة المكرمة” ومنحها لمدينة “قم” الإيرانية). مقتطفات من حديث ببرنامج “واجه الصحافة”.

أما من الدخل الإيراني فقد اتهم سفير إيران السابق لدى منظمة الأمم المتحدة “منصور فرهنك”، (النظام الإيراني بإتباع سياسة طائفية وتصدير نظامه إلى بلدان أخرى… وأشار “فرهنك” أن إيران تسببت بإخلال الاستقرار في كل من العراق واليمن وسوريا ولبنان، من خلال تقديم الدعم العسكري والاقتصادي للميليشيات الشيعية التي تقاتل في تلك البلدان). عن وكالة الأناضول.

عبارة روحاني صحيحة في جزئها الأول”على أصدقائنا أن يفرحوا”، لكن جزءها الأخير” على منافسنا الإقليميين ألا يقلقوا” الواقع يكذبها، فسلوك إيران الخارجي هو سلوك عدواني يسعى إلى تدجين المجتمعات العربية بإيديولوجية طائفية شعارها “نصرة الإسلام وال البيت” وباطنها تحقق مشروع قديم بدأ بعد “فتح المدائن” وإن اختلفت صور وأشكال تنفيذ هذا المشروع منذ ذلك الوقت، إلا أنه مشروع له نفس واحد وهدف واحد: “هو إذلال العرب وإدخالهم في العباءة الفارسية كما كانوا قبل الإسلام”.

لن تتخلى إيران عن “سياسة تصدير الثورة” لأن الدستور الإيراني – المادة الثالثة البند 16- يقول صراحة: (تلتزم إيران بتنظيم السياسة الخارجية على أساس المعايير الإسلامية والالتزامات الأخوية تجاه جميع المسلمين والحماية الكاملة لمستضعفي العالم”.

أما رضا إيران اليوم برجوع إلى مربع ما قبل الثورة الخمينية، مربع عهد الشاه و الحكومات الليبرالية المدافعة عن الفكر الرأسمالي والامبريالي، والتخلي عن “السياسة الثورة” العدائية ظاهريا لأمريكا والغرب، كان له أهداف متعددة من أهمها ما يلي:
– الخروج من ضغوط العقوبات الاقتصادية التي أنهكت الاقتصاد الإيراني وأفقرت الإيرانيين،حيث معدل البطالة في إيران من أعلى المعدلات العالمية.

– محاولة التفرغ لسلوكها الخارجي العدواني ضد دول المنطقة- وخصوصا السعودية- والدفاع عن مصالحها في سوريا، والتي استنزفت إيران وورطت حلفائها الطائفيين في المستنقع السوري.

– مزاحمة تركيا ومحاولة الحد من نفوذها في سوريا، حيث ترى إيران في تركيا الخصم الإقليمي القوي والأكثر تكاملا وقوة على جميع المستويات، مع السعي لتقوية العلاقات الأمريكية- إيرانية على حساب العلاقات الأمريكية- التركية.

– تلميع صورة إيران لدى الشعوب الغربية، وبأن التيار الإصلاحي المعتدل بها، إذا حكم يمكنه التوافق مع الغرب في عدة قضايا عبر الحوار ولغة المصالح المشتركة.

– محاولة إفشال التحالف التركي السعودي وتقليل من ثقله السياسي والميداني، لأن إيران تعلم بأن ” مجلس التعاون الاستراتيجي السعودي- التركي” من أهم أهدافه مواجهة النفوذ الإيراني بالمنطقة.

الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني أخرج التعاون الخفي بين إيران وأمريكا إلى العلن بعدما كان شبه خفي، أمريكا تخفيه وإيران تتبجح به نكاية في دول الخليج وباقي خصومها في المنطقة، والوثائق السرية التي بدأ كل من الإعلام الإيراني والأمريكي ينشرها تأكد ذلك.
الاتفاق النووي أعطى حرية مطلقة لإيران في المنطقة، وخذل الدول الخليجية وتركيا وباقي دول المنطقة، وعوض الكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة بكل سلاح ومال ودعم يريده، والمفارقة في كل هذا أن “ولاية الفقيه تأخذ بركات الشيطان الأكبر”، لا عجب ، فحبهما قديم والحب الأول لا يموت، كما قال الشاعر العربي.