من العمق

هل التقطت “العدل والإحسان” رسائل منعها في تركيا

لم يكن منع نشاط جماعة العدل والإحسان المتعلق بإحياء الذكرى الثالثة لرحيل زعيمها عبد السلام ياسين، رحمة الله عليه، في تركيا هدفا في حد ذاته، وإلا لتم منع النشاط حتى قبل بدايته بأيام أو أكثر، أو لتم منعه قبل جلسته الافتتاحية، والحال أن المنع تم بعد الجلسة، بل تم موازاة معه منع الرجل الثاني في الجماعة فتح الله أرسلان والوفد المرافق له، وهذا هو المقصود تحديدا من المنع. فما رسائل هذا المنع محليا وإقليميا للجماعة وما رد فعل الجماعة المنتظر؟

وعلى الرغم من كون الحادث يشي بالغموض -كما عبرت الجماعة في البداية-، إلا أن أكثر من مؤشر وإشارة تفيد بدخول الدولة المغربية بتنسيق مع مصالحها في تركيا على خط المنع، كما يؤشر على وجود دور لمحور إقليمي وطرف أو أطراف دولية التقت إرادتهم جميعا على الدفع بجماعة ياسين في اتجاه تحول معين.

ولعل أولى رسائل منع نشاط الجماعة هذه السنة عكس السنة الماضية، تتعلق بدعوة مباشرة إلى ضرورة تسوية أمور الجماعة في علاقتها بالمخزن -كما يحلو لها التسمية- داخل التراب المغربي، دون استقواء بالخارج حسب زعم البعض، خاصة إذا أخذ بعين الاعتبار التواجد القوي للجماعة بالخارج وفي القارات الخمس، كما عبر ذلك القيادي في الجماعة عبد الواحد المتوكل مؤخرا على قناة “الحوار الفضائية” موضحا أن التواجد له بعد فكري ووجداني وليس تنظيميا.

منع الجماعة من إحياء ذكرى رحيل مؤسسها في تركيا لا شك أنه نوع من الحصار للجماعة، للدفع في اتجاه التململ والتغيّر في أفق الاحتواء، وكأن “المخزن” يحاول إضعاف امتداد الجماعة داخليا وخارجيا بالعديد من الوسائل بما يصيب موازين القوى بنوع من الاختلال لصالحه في تفاوض مستقبلي مباشر أو غير مباشر، والذي قد تفرضه تحولات قد لا تكون بالضرورة متحكما فيها أو وفق ما قد يخطط هذا الطرف أو ذاك.

غير أن السؤال يبقى مطروحا، ما غاية الجماعة من تنظيم مثل هكذا مؤتمرات خارج المغرب؟ خاصة مع السماح النسبي للجماعة بإقامة مثل هذه الأنشطة داخل مقراتها وبحضور عشرات الضيوف ومن مختلف المشارب من خارج المغرب كما من داخله، على الرغم من كونها ممنوعة من الاستفادة من الفضاءات العمومية بل حتى الخاصة بتوجيه خارجي أحيانا وجبن ذاتي أحايين أخرى.

غير أن السؤال يظل مطروحا حول ما الذي يتم تحقيقه بتلك الأنشطة خارج المغرب ولا يُتأتى على المستوى الداخلي؟ خاصة مع السماح لها –وهذا حق من المؤسف أن يكون موضوع نقاش- بطبع أعمال الشيخ والندوات التي تهتم بفكره والترويج لها.

إن من رسائل منع نشاط الجماعة في إسطنبول؛ الدفع إلى التفكير في التغيير على قواعد تحول إقليمي لم تتضح كل معالمه بعد، لكنه يقول بضرورة المشاركة السياسية المباشرة لجماعة العدل والإحسان خارج منطق القومة أو انتظار معجزة أو تحول كبير اختياري أو اضطراري للنظام السياسي في المغرب أو لقواعد اللعب خارج منطق الإذلال والإملاء كما تنظر لذلك الجماعة.

في هذا الاتجاه وبالقدر الذي تعبر فيه الجماعة عن رغبة في التغيير والتحول متى توفرت شروط ذلك، مستحضرة مقولة المرحوم ياسين من أن الذي لا يتغير هو حجر لا يصلح إلا للتيمم، فإن عدد من المراقبين يرون أن الجماعة لا تقدم أي إشارات في هذا الاتجاه، في الوقت الذي ترى فيه الجماعة أن تعامل “المخزن” معها من التضييق إلى المنع إلى الاعتقال وكيل التهم وتلفيق الملفات… لا يشجع على أي تململ من جانبها، وهو ما يجعل الجماعة تعبر عن حضورها القوي في الاحتجاجات الاجتماعية (الأساتذة المتدربون، احتجاجات أمانديس في طنجة، احتجاجات الأطباء…) بما يجعل منها وظيفة تكتيكية تعمل على الإذكاء والتأزيم في أفق الحوار.

أيا كانت الرسائل واختلاف زوايا النظر والرأي في نازلة إسطنبول وعلاقة الجماعة بالمخزن، فإنه من المستحيل تصور انتقال ديمقراطي في المغرب أو تعزيز لتماسك داخلي لا تكون جماعة العدل والإحسان أساسا وأطراف يسارية أخرى أحد مكوناته، كما أن مصلحة الوطن وروح القرن الواحد والعشرين وصوت العقل، يقولون إن واقع العلاقة بين المخزن والجماعة يُنهك الطرفين ويفوت على الوطن الاستفادة من كل أطيافه وطاقاته، غير أن مقدمات ذلك اليوم المنتظر تقتضي تقديم إشارات متبادلة ونوع من صفاء الأجواء وفتح باب الحوار والنقاش على مصراعيه علّ ذلك يؤسس لانتقال مكتمل الأضلاع يوقف هدر النهوض والتقدم.